على كل – محمد عبد القادر – النيل الأبيض يا حكومة
وسط صمت حكومي غريب عن الأسباب والمعالجات المقترحة، تواجه مناطق النيل الأبيض أوضاعاً إنسانية كارثية هذه الأيام بعد اجتياح المياه للمدن والقرى وتسببها في تدمير المنازل وتشريد المواطنين.
آلاف الأسر شردها فيضان النيل الأبيض، وباتت في العراء، القرى الواقعة على الضفتين من (جبل أولياء وحتى جودة) تأثرت بالفيضان، بما فيها منطقة (الجزيرة أبا) التي تعاني من أزمة إنسانية كارثية بعد أن ابتلعتها المياه بالكامل، إلى جانب (أبو شاتين، الكنز، الكوة، وأمفورة)، مناطق الضفة الشرقية تأثرت كثيرًا، ونزح المواطنون من شمال الشوال والكوة.
تأثرت مدينة كوستي كثيرًا بالفيضان، وكذلك مناطق شمال المدينة (قولي والفششوية والشور) ومحلية الدويم وقراها، مثل أم جر والكريدة وشبشة، التي شهدت خسائر كبيرة.
الإحصاءات الأولية، التي لم تعلن عنها الحكومة ولا تعلم عنها شيئًا، تشير إلى دمار 15 ألف منزل بالكامل حتى الآن في الجزيرة أبا وحدها، وإلى نزوح ما لا يقل عن عشرة آلاف من سكانها إلى منطقتي كنانة وعسلاية، مع وجود صعوبات في عمليات الإجلاء بسبب ارتفاع مناسيب المياه.
التحذيرات من حدوث كارثة صحية بالنيل الأبيض على أشدها مع التوقعات باختلاط مياه الفيضان بالصرف الصحي، واضطرار المواطنين للشرب منها بعد غرق محطات المياه، وسط أنباء عن تفشي وباء الكوليرا، الذي كان منتشرًا قبل الفيضان، وانتشار الثعابين والزواحف والعقارب بعد خروجها من الجروف.
يحدث كل هذا بينما تواصل الحكومة صمتها الغريب عن قضية فيضانات ولاية النيل الأبيض، التي لا تنفصل عن معركة الكرامة، خاصة وأن السبب الرئيس في كل ما حاق بالمواطن هو إصرار مليشيا الدعم السريع على إغلاق خزان جبل أولياء، الذي بات يواجه خطر الانهيار إذا ما ظل مغلقًا. فقدان التحكم في العمليات الفنية للخزان وعدم فتح بواباته لتصريف المياه أديا إلى حجزها وارتفاع مناسيبها، الأمر الذي أحدث كل الدمار الذي تدفع فواتيره مدن وقرى النيل الأبيض الآن.
للأسف، اهتمام الحكومة الاتحادية لم يرتفع حتى الآن لمستوى الخطر الذي يهدد بمسح ولاية النيل الأبيض بكاملها، حتى أسباب الكارثة الإنسانية تصمت عنها الدولة، مع أنها توفر حيثيات إضافية وجديدة لإدانة المليشيا المجرمة ودمغها بممارسة جرائم ضد الإنسانية، وهي تصر على إغلاق الخزان وإغراق المدن والقرى وقتل السكان.
نعلم انشغال الدولة بمعركة الكرامة، ولكن هل كان غرق النيل الأبيض بعيدًا عن أرض المعركة؟ أين الجهات المختصة في وزارة الري والموارد المائية وإدارة السدود التابعة لوزارة الكهرباء؟ أين الخبراء لإحاطة الرأي العام المحلي والعالمي علمًا بالأسباب المهنية التفصيلية لغرق ولاية النيل الأبيض؟ بل أين زيارات المسؤولين ومشاطرة المواطنين عسف الظروف وجور الأيام، التي تقذف بهم من مصير النزوح إلى الغرق بعد أن فقدوا كل شيء؟
البرود الذي تتعامل به الدولة مع ما يحدث في النيل الأبيض غير مبرر، وإن انشغلت بتطورات الحرب. تحركوا باتجاه المواطن هناك، فإنه يغرق، وأطلقوا نداءً للمنظمات والخيرين لدعم جهود الإيواء وتقديم الدعم اللازم للنازحين، وقبل هذا وذاك، اطلعوا العالم على جريمة المليشيا، وتحركوا لفتح بوابات الخزان بأي وسيلة، يا جيش، قبل انهيار الخزان وغرق النيل الأبيض بالكامل…