
مولانا احمد هارون رئيس حزب المؤتمر الوطني سياسي ذكي ولماح يستطيع دوما احداث الفارق، و”خطف التريند”، ـ تتفق او تختلف معـه – هو من قلائل يجيدون التفكير “خارج الصندوق”،رؤاه متجاوزة للواقع وافكاره دائمة التموضع فى مساحة مختلفة عن الاخرين، الرجل ظل يحرز تميزا دائما للحزب على مستوى المواقف والتفكير .
استطاع هارون مع اخرين ان يعيد ترتيب الصفوف ويبعث بالاسلاميين الى صدارة المشهد من جديد، ويتجاوز بهم مرحلة ” اي كوز ندوسو دوس”، وشعارات ” سودان بلا كيزان”.
التخلق الايجابي الجديد لحزب المؤتمر الوطني وانتقاله من دائرة “المنبوذ” الى مربع “المقبول بل المطلوب” لم يات من فراغ، فقد كان هارون واخوته يعيدون فى كل مرة ترتيب الصفوف ويدفعون برؤى تتجاوز غبائن فقدان الحكم وسجالات التشفي وتخاطب امهات القضايا الوطنية بوعي واعتدال وهدوء خاصة المتعلقة بتحدي الحرب التى خاضها الاسلاميون فى صفوف الجيش مع وطنيين اخرين يبتغون بها وجه السودان الخالي من الجنجويد ولايطمعون عبرها فى العودة الى كراسي الحكم من جديد..
قرأت بالأمس ما عزز هذا المعنى فى مقابلة محترمة لمولانا احمد هارون مع “وكالة رويترز”، استطاع خلالها الرجل وكعادته تحرير روشتات بالغة الاهمية لادواء مرتبطة بحراك السودانيين نحو تاسيس قواعد للعمل السياسي خلال وما بعد الفترة الانتقالية.
هارون قدم خلال المقابلة تطمينات فى اكثر من اتجاه تخاطب اسئلة الشارع حول كيفية تفكير الاسلاميين فى دورهم خلال الفترة الانتقالية وما بعد الحرب.
الرجل اجاب على هواجس الشارع برسائل من شانها قفل الباب امام اي مزايدة ، او اتهامات تتحدث عن رغبة الاسلاميين فى العودة الى السلطة، الا بعد الفترة الانتقالية وعبر صندوق الانتخابات، وفند ما يشاع عن دوافع مشاركتهم فى العمليات العسكرية ضد الجنجويد ونفى ان تكون بسبب مطامع فى الحكم ، وهو يؤكد بوضوح ” اتحذنا قرارا استراتيجيا بان لا نعود للحكم الا عبر صناديق الانتخابات بعد الحرب… ولن نكون فى اي حكومة انتقالية غير منتخبة بعد الحرب، (انتهى الكلام).
هذا الحديث سيكسب الاسلاميين مساحة جديدة للتمدد فى الوجدان والشارع السوداني ، وهم يتحركون بنزعة وطنية خالصة لخوض الحرب الوجودية الى جانب الجيش وبدوافع منزهة عن حسابات المصالح والمكاسب المرتبطة بالمشاركة فى السلطة .
هارون نجح خلال مقابلته فى مخاطبة قضية محورية يتبغي ان تكون حاضرة فى تفكير واستراتيجية القوى السياسية جميعها وهو يؤكد ضرورة ان يكون هنالك دور للجيش فى الفترة القادمة بقوله:
“اقترح هيكل حكم يمنح الجيش السيطرة على الامور السيادية بالنظر لمهددات الامن السوداني والتدخل الخارجي..على ان تاتي الانتخابات برئيس وزراء لادارة الحكومة”..
مثل هذا المقترح يرسل تطمينات تتجاوز الجيش الي القوى السياسية والراي العام، ويمهد لخلق ارضية تواصل متفق عليها ربما تفضي اذا حققت المطلوب منها الى صيغة تداول سلمي تضع حدا للمخاوف المتكررة من الانقلابات وتجارب الاقصاء المتبادل بين الاحزاب والمؤسسة العسكرية.. ما دفع به هارون طرح اتمنى ان تعكف القوى السياسية على قراته جيدا توطئة لاعلان مشروع حكم متفق عليه بين الجميع يخرج السودان من دائرة التقلبات والانتكاسات المتواصلة..
المقابلة انتجت افكارا سياسية جديرة بالتامل، وبعثت بتطمينات كافية، ربما تضع حدا لقلق كثير من القوى السياسية التى يزعجها حضور وعودة الاسلاميين للمشهد بقوة.
تكثيف جرعة التنزه عن طلب السلطة من خلال المشاركة مع الجيش، وبالتاكيد على الاصطفاف الوطني للاسلاميين بعيدا عن طلب المكاسب والدعوة لايجاد دور للجيش خلال المرحلة القادمة تطمينات تفتح الباب امام تداول جديد على مستوى الافكار والممارسة ، وتشعل التنافس الحر فى فترة مابعد الفترة الانتقالية خاصة وان احمد هارون لم يستبعد وفقا لكل ما تقدم ان تاتي الانتخابات بالاسلاميين..فالديمقراطية حاضرة كذلك فى طرح الرجل.
على كل ينبغي التعويل على ما قال هارون فى تنقية اجواء الحراك السياسي المنزه عن الاغراض السلطوية، والدفع بافكار جديدة فى شرايين الأحزاب السياسية ، فالساحة بحاجة الى مثل اطروحات مولانا احمد هارون التى تمثل بالتأكيد حزب المؤتمر الوطني فى بعثه وتخلقه الجديد.