عثمان ميرغني يكتب : احذروا ان تصل بلدكم الي الجحيم
تواصلت مع صديقي الذي لا يزال في قلب الخرطوم لم يخرج من بيته رغم كل الدمار والمخاطر التي تحيط به، بقي وحيدا بعد أن شجع أسرته على الجلاء والسفر إلى حيث لا قنابل تدوي ولا بنادق تعوي.
حكى لي أنه صار وحيدا في الحي وعلى مقربة منه حي آخر فيه بعض السكان، لكنهم جميعا يعانون من مجاعة حقيقية.. لعدة أشهر طعامهم العدس ان وجد، وقليل من الخبز وماء ظلوا يشترونه بالبرميل.
قال لي صديقي أنه ما عاد يستطيع النوم بلا أصوات المدافع والصواريخ التي لا تهدأ قليلا إلا لتسمح لأصوات “الكلاشات” بفاصل من العزف المنفرد.. و قال لي بالحرف (نحن نعاني من مجاعة حقيقية، أسوأ ما فيها أنها غير معلومة الأمد)..
الصورة التي رسمها صديقي ليس لها مثيل في كل مواقع المعارك في العالم، فهنا الموت بلا هوية.. لا أحد يعرف لماذا يقتل الآخر,, الشعار المرفوع والذي يردده المقاتلون الشباب ربما بلا انتباه لمعناه أنها حرب لاجتثاث الفلول تارة و دك دولة 56 تارة أخرى.. أين الفلول؟ وأين دولة 56؟ أسئلة لا علاقة لها بالرصاص المنهمر ولا المدافع الهادرة.. ولا المواطنين الذين تقتات بهم آلات الحرب الفتاكة.
يحدث هذا في قلب العاصمة الخرطوم فكيف هو الحال في ضواحيها؟ في ولاية الجزيرة؟ في دارفور؟ في كردفان؟ بلا شك الصورة أكثر من قاتمة ليس في ثنايا المشهد الذي يفيض بالدماء والأشلاء فحسب، بل في الدولة التي تركت للمواطن حق تقرير مصيره.. ان كان يريد العيش فليبحث عن الأمان لنفسه واسرته.. فالديموقراطية الجديدة تسمح له بحرية اختيار أين يموت و أين يهرب..
هذه الحرب عارية من أية حيثيات أخلاقية رغم كثرة ما يرفع فوق رايتها من شعارات.. فهي ليست محرقة للمواطن بل للوطن نفسه الذي اذا تطاول عمرها لأكثر من ثلاث أشهر قادمات فلن يكون هناك سودان تتصارع عليه أفيال الساسة.. فقط عشب تقتات منه فئران الخراب..
كل يوم يمضي من هذه الحرب يعني اقتراب السودان من نقطة الـ(لا) عودة..
احذروا.. ان يصل بلدكم الميقات المعلوم