(شيخ الرفاعي)..جدلية الفن والدين…. محمد ابراهيم الحاج
…
لم تكن شخصية (شيخ الرفاعي) هي الاولى..كما انها لن تكون الاخيرة التي رفعت سقف جرأة تشخيص الشخصية لدينية بواقعية يراها المؤلف والمخرج والممثل على السواء…
في بدايات موسم رمضان الماضي فجر مسلسل (سكة ضياع)_ رغم رداءة تصويره واخراجه واختلالات واضحة في بنية السرد والسيناريو_ فجر قضايا كثيفة ومعقدة منها على سبيل المثال (اللقطاء_ المخدرات_ الثراء الحرام_الخيانة الزوجية) وغيرها…نوقشت هذه القضايا بجرأة ومباشرة ..لابحرفية درامية…واحتفى بها الناس…
صعد صانعو مسلسل (ود المك) سقف مناقشة هذه القضايا واختاروا هذه المرة مواجهة ربما كانت مؤجلة منذ وقت طويل… وهو تقديم نماذج تتخذ من التدين الشكلي والظاهري مآرب لتحقيق احلامها ونزقها وشهواتها..
يولد الناس متساوون في الاحلام والسعي مثل جميع البشر…ثم يختارون بعد ذلك طرقهم في الحياة…منهم من يصبح طبيبا او مهندسا او محاميا…او داعية اسلامي… في كل هذه المهن والفئات تجد من يخلص لوظيفته.. ومن هو متخذها مطية لتحقيق نزواته ونزقه…
فالطبيب الذي يلبس ملابس الاطباء..يعالج الناس ويمكن ان يسرق اعضائهم..
والمحامي يدافع عن الناس والدخلاء فيهم يدافعون عن الظلم…
..وهكذا فكل مهنة بتفرعاتها…واستحقاقات منتسبيها لايمكن قراءة ضمائرهم سوى مايصل للناس من فعلهم.. ومنهم رجل الدين الذي جرب دراميا قبل اكثر من سبعين عاما في فيلم الارض حينما جسد الممثل الكبير يحى شاهين رجل الدين المدافع عن مصالحه الذاتية على حساب اهل القرية…
والفنون الدرامية والسينمائية بشكل عام تتجه الى جس مايمور في المجتمع….يلتقطها المبدع بذكاء ..يقدمها هكذا بلا تجميل ولامحاولة لاضفاء هالة من القداسة على احداها…هذا الامر يسهل علي المخرج صياغة الحبكة الدرامية…الازمة وذورتها ثم الانهاء…
شخصية (شيخ الرفاعي) في مسلسل (ود المك) اوجدها حقيقة
أنه لا يخلو قطاع من قطاعات المجتمع من نماذج سلبية من المتدينين، فهناك بالفعل العالم المتزلف للسلطان والبائع دينه بعرض من الدنيا قليل، وهناك ذو الوجهين الذي يدعو الناس إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهو أبعد ما يكون عنهما، وهناك التكفيري الذي يوزع على الناس تهم الكفر بمجرد وقوعهم في المعاصي، وهناك الغليظ الفظ المنفّر بطباعه وهيئته، وهناك الذي يبتغي بمظاهر التدين السمعة والسيرة الحسنة لدى الناس،… والمجتمع السوداني يمتلىء بهذه النماذج…
التقاط شخصية (شيخ الرفاعي) من ذروة حركة المجتمع وخاصة ابان الفترة التي حكمت فيها الانقاذ..كانت مظاهر التدين هي ماتمنحك صكوك القبول في المؤسسات الحكومية والعسكرية على السواء … بل ان كلمة (ياشيخنا) كانت مرادفا موضوعيا في انك اصبحت من ذوي الحظوة والحكم… لا بأس من تعزيز ثقة الآخرين فيك بانك (رجل دين) (ورع) و(تقي) بان ترخي اللحية…وتسخط فيما تراه منكر امامك بصوت عالي يسمع كل الناس..وتدب الى المساجد آناء الليل واطراف النهار… وتلك (مظاهر دينية) يستطيع كل الناس الدخول في عباءتها. يدخل فيها الراشي والمرتشي واصحاب الشهوات النزقة والتجار المطففين…هو مجرد زي ولحية مطلقة..يمكنك ان تجعل نفسك من اصحاب السلطة الدينية…لاتغتم…فان هاجمك احد او انتقدك او قدم ملاحظة على سلوكك فثمة ديباجات جاهزة سوف يتطوع الاخرون الصاقها بك (كافر ..زنديق…محارب لله ورسوله…يحارب الاسلام)..وغيرها من النعوت التي لاتحتاج الى اقناع او حجة….يمكنك الان عزيزي التمتع بكل مزايا (السلطة الدينية) التي حزتها فقط بلحية وصوت ساخط وجلابية وعمة…
في مجتمعنا يعتبر أن مظهر رجل الدين هذا يعبر عن الدين نفسه، فإذا قدمه الفن فاسداً فهذا يعني أن الفن يسيء للدين، وهذا الإرهاب في التلقي مفزع ويظلم المحتوى الفني…ويحاكمه بغلظة …
دراميا…لم يحسن صناع العمل التعامل مع ملف شائك في مجتمع لم يحدث ان قدم تناقضات شخصية (رجل دين) في اعمال درامية او سينمائية…هي التحربة الاولى في محاكمة هذا النموذج الاجتماعي ..لذا فان التحضير لها لم يكن كافيا فتم اظهاره بهذا الشكل الاقرب الى الخوض في حقل من الالغام…ربما كان من الاجدى تقديم بعض محاسنه لكون الشخصية الدرامية تكون اكثر اقناعا بابراز تناقضاتها في التعاطي مع حركة المجتمع والاحداث…. ولكون الشخصية بشر تخطيء وتصيب…..
ايقاف المسلسل ومحاكمته وردود الفعل من بعض الشيوخ في خطب الجمعة امر مبالغ فيه ..لايحكمه منطق…واتسمت ردود بعض الشيوخ بانها اعادت للناس ترسيخ بعض صفات (شيخ الرفاعي) واقعيا لادراميا.. كحديث من الشيخ محمد مصطفى عبد القادر الذي جمع كل صنوف البذاءة والاتهامات (المضحكة) وقال ان شخصية (شيخ الرفاعي قدمها الممثل انها مثلية …ولم ينسى ديباجاته المعروفة من انهم كفار وعلمانيين وشيوعييين…. ثم اتهم الثوار بانهم يتلقون اموالا لتتريس الشوارع…
نواصل…