شارك في ورشة بهوية مزورة باسم”أحمد موسى”… تفاصيل فضيحة القُوني دقلو واعتذار المؤسسة الهولندية
تقرير :رحمة عبدالمنعم
في حادثة غير مسبوقة،كشف معهد الدراسات الاجتماعية التابع لجامعة (إراسموس روتردام ) عن اختراق خطير لمنصته الأكاديمية، بعدما تمكن القوني حمدان دقلو، القيادي البارز في مليشيا الدعم السريع والمطلوب دولياً، من المشاركة في ورشة عمل حول السلام في السودان باستخدام اسم مستعار، أثارت الحادثة غضباً واسعاً بين الأوساط الأكاديمية والصحفية، وسط مطالبات بتحقيق شامل في كيفية حدوث هذا الخرق، واتخاذ خطوات صارمة لمنع تكراره.
تفاصيل الحادثة
وفي السادس من ديسمبر 2024، نظم المعهد الدولي للدراسات الاجتماعية ورشة بعنوان “الحروب وآفاق بناء الدولة الجديدة في السودان: التحديات والفرص” في مدينة لاهاي ،كان الهدف من الورشة تعزيز الحوار بين أفراد المجتمع المدني حول فرص تحقيق سلام مستدام في السودان، خاصة في ظل الحرب المستمرة التي يعاني منها
لكن الحدث خرج عن أهدافه تماماً بعد الكشف عن مشاركة القوني دقلو، أحد قادة مليشيا الدعم السريع المتورطين في جرائم حرب وانتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان، مستخدماً هوية مزورة باسم “أحمد موسى” ،القوني قدم نفسه كعضو في منظمة “فنار”، الجهة المشاركة في تنظيم الورشة، والتي يديرها فتحي إبراهيم، القيادي بحزب الأمة القومي في لاهاي.
بيان الاعتذار
وبعد الكشف عن هوية القوني، أصدر المعهد الدولي للدراسات الاجتماعية بياناً رسمياً يعبر فيه عن أسفه العميق للسماح بمشاركة شخصية تخضع لعقوبات دولية وأمريكية ،وجاء في البيان:في السادس من ديسمبر 2024، استضاف المعهد الدولي للدراسات الاجتماعية ورشة حول موضوع السلام في السودان ،كان هدفنا تعزيز الحوار حول القضايا الحساسة التي تواجه هذا البلد المضطرب، شعرنا بخيبة أمل شديدة عندما اكتشفنا أن أحد المشاركين كان شخصية بارزة في قيادة قوات الدعم السريع، ويخضع لعقوبات دولية، لقد شارك هذا الشخص باسم مستعار وقدم معلومات زائفة، ما يمثل انتهاكاً واضحاً للاتفاقيات المتعلقة بتنظيم الحدث.
وأضاف البيان :نحن ندرك تماماً الأثر المؤلم للنزاعات المسلحة في السودان، ونأسف لأن هذا الحادث ربما زاد من معاناة الضحايا والمتضررين، كنا لنرفض قطعاً مشاركة هذا الشخص لو علمنا بهويته الحقيقية ،نؤكد التزامنا العميق بقيم السلام والعدالة وحقوق الإنسان، وسنقوم بإجراءات أكثر صرامة لضمان عدم تكرار مثل هذه الحوادث في المستقبل.
كشف الهوية
ولعبت الصدفة دوراً كبيراً في كشف هوية القوني دقلو ،فقد علم عدد من الشباب السودانيين المقيمين في لاهاي بوجود الورشة، وحاولوا التسجيل للمشاركة، لكنهم قوبلوا بالرفض من قبل منظمي الحدث، بحجة أن الدعوة موجهة لأفراد محددين فقط.
رفض المنظمون لم يمنع هؤلاء الشباب من متابعة ما يجري، فقرروا الانتظار خارج مقر الورشة، حيث لاحظوا وجود القوني دقلو يلقي كلمة داخل القاعة، تأكدوا من هويته عبر مراجعة الصور والمعلومات الموثقة عنه، وقاموا على الفور بإبلاغ إدارة المعهد، مشيرين إلى أن “أحمد موسى” ليس سوى القوني دقلو، أحد قادة مليشيا الدعم السريع
وقال أحد الشباب الذين كشفوا الحادثة في تصريحات لمجلة هولندية:ما حدث كان صادماً لنا، هذا الرجل متورط في انتهاكات ضد الشعب السوداني، ورؤية اسمه مرتبطاً بمناقشات حول السلام هي إهانة لكل الضحايا، كان علينا أن نتصرف بسرعة لتوضيح الحقيقة.
ردود الفعل
الحادثة أثارت ردود فعل غاضبة من الصحفيين والخبراء الأكاديميين،الذين وصفوا مشاركة القوني بأنها “إهانة للقيم الإنسانية”
الصحفي محمد عبدالجليل وصف الواقعة بأنها “فضيحة أخلاقية”، مضيفاً:السماح لمجرم حرب بحضور ورشة تناقش السلام هو تضليل متعمد أو خلل جسيم في سياسات التدقيق، القوني دقلو شخصية معروفة بانتهاكاتها، وهذا النوع من المشاركات يمنحه منصة لتجميل صورته أمام المجتمع الدولي
أما الدكتورة سارة عبدالسلام، المتخصصة في القانون الدولي، فقالت:هذه الحادثة تكشف عن ضعف الرقابة في المنظمات الأكاديمية الدولية ،حضور شخصية مثل القوني دقلو يمثل تقويضاً لكل الجهود الرامية لتعزيز السلام والعدالة، يجب أن تكون هناك آليات أكثر صرامة لمنع استغلال هذه المنصات.
جرائم القوني
القوني دقلو، الذي يحمل رتبة رائد في مليشيا الدعم السريع، متهم بالتورط في تمويل وتسليح الجنجويد، إضافة إلى تورطه في عمليات قتل جماعي، واعتداءات جنسية، وتشريد آلاف المدنيين ،اسمه مدرج على قائمة العقوبات الأمريكية والدولية، كما أوقفت وزارة الخزانة الأمريكية شركة “تراديف للتجارة العامة”، التي يديرها القوني، بسبب استخدامها في تمويل أنشطة عسكرية دعمت مليشيا الدعم السريع
الحادثة دفعت العديد من المنظمات والناشطين السودانيين إلى المطالبة بتحقيق شامل في كيفية تمكن القوني من دخول الورشة، ودعوة الجامعة إلى اتخاذ خطوات لضمان الشفافية مستقبلاً.
الناشطة الحقوقية أمل إسماعيل علقت على الحادثة في صفحاتها على موقع “الفيسبوك” قائلة: نحتاج إلى تحقيق دولي يكشف من سمح لمجرم حرب بالمشاركة في حدث يناقش السلام. هذا ليس فقط اختراقاً أكاديمياً، بل هو محاولة لتطبيع الجرائم ضد الإنسانية..حد قولها
حادثة القوني دقلو تمثل درساً قاسياً للمجتمع الأكاديمي الدولي حول مخاطر التهاون في التدقيق على المشاركين في الفعاليات التي تعالج قضايا حساسة، وبينما قدمت جامعة إراسموس اعتذاراً رسمياً، تظل المسؤولية قائمة لضمان عدم تحول المنابر الأكاديمية إلى أدوات دعائية في أيدي مجرمي الحرب.