مقالات

شئ للوطن – م.صلاح غريبة -اليوم العالمي لصحة الدماغ: وقاية تبدأ من مقاعد الدراسة وتستمر مدى الحياة

يُعدّ اليوم العالمي لصحة الدماغ مناسبة بالغة الأهمية لتسليط الضوء على عضونا الأكثر تعقيدًا وحيوية: الدماغ. ففي ظل التحديات الصحية المتزايدة، يصبح الاهتمام بكل طرق الوقاية ضرورة حتمية، لا سيما ونحن نرى انعكاسات الإهمال على أجيالنا المتعاقبة.
أتذكر جيدًا، وأنا طالب في مدرسة الأبيض الثانوية بالسودان في سبعينات القرن الماضي، كيف أدركت مبكرًا أهمية العقل وتنمية قدراته. هذا الإدراك دفعني لتأسيس “جمعية الهوايات العقلية”، التي كانت تهدف إلى تشجيع الطلاب على الأنشطة الذهنية، مثل الشطرنج وحل الألغاز والمناظرات الفكرية. كانت تلك التجربة تأكيدًا على أن بذور الوعي الصحي بالدماغ يجب أن تُزرع منذ الصغر، وأن الوقاية تبدأ من مقاعد الدراسة.
اليوم، ونحن نشهد ظروفًا استثنائية، تتضاعف أهمية هذا الوعي. فالمجتمعات تتأثر بالصراعات والأزمات، ويبرز هنا الدور الإنساني والوطني في الاهتمام بالفئات الأكثر تضررًا. على سبيل المثال، يقع على عاتقنا مسؤولية كبرى تجاه كبار السن من أبناء الجالية السودانية القادمة إلى مصر بسبب ظروف الحرب. هؤلاء الأجداد والجدات الذين حملوا على عاتقهم هموم النزوح وفقدان الأوطان، يحتاجون إلى دعم نفسي واجتماعي وصحي خاص. يجب أن نضمن لهم بيئة آمنة ومستقرة تساعدهم على الحفاظ على صحتهم الذهنية، وتقلل من تأثير الصدمات النفسية التي قد تؤثر على وظائفهم الإدراكية. تقديم الرعاية الصحية الشاملة، وتوفير الأنشطة الاجتماعية التي تحفز التفكير وتعمل على إشراكهم في المجتمع، كلها خطوات ضرورية للحفاظ على عقولهم سليمة ونشطة.
ولا يقل أهمية عن ذلك الاهتمام بـصحة شباب الجالية السودانية بمصر. فجيل الشباب هو عماد المستقبل، وهم الأكثر عرضة لتأثيرات الضغوط النفسية والاجتماعية الناتجة عن النزوح والتغيير الجذري في نمط الحياة. يجب أن نوفر لهم الدعم النفسي، ونشجعهم على تبني أنماط حياة صحية تشمل التغذية السليمة، وممارسة الرياضة، والنوم الكافي، وتقليل التعرض للضغوط المفرطة. كما يجب أن نوليهم اهتمامًا خاصًا فيما يتعلق بالتعليم والاندماج المجتمعي، فالعقل النشط والمتعلم هو أساس بناء مستقبل مشرق.
في الختام، إن صحة الدماغ ليست رفاهية، بل هي حجر الزاوية في بناء مجتمع قوي ومنتج. دعونا نغتنم اليوم العالمي لصحة الدماغ لنجدد التزامنا بالوقاية والعناية بهذا العضو الثمين، بدءًا من أطفالنا وشبابنا، وصولًا إلى كبار السن، لضمان مستقبل أفضل للجميع.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى