سهير الرشيد تكتب في ذكرى رحيل الوالد الهرم … رائد التصوير الفتوغرافي وصناعة السينما
…
(وتشكي له حال البلاد والعباد)
فجر ١٧ رمضان ٢٠٠٨م
كان رحيلك المر …
رحلت يا ابي في شهر رمضان شهر القرأن شهر التوبة والغفران وهذا مؤشر لرضى وقبول الله لك بحوله ورحمته ..
١٥ عام على رحيلك يا والدي عن دنيانا بعد أن ( *خلدت اسمك بأحرف من نور على سجل العطاء غير المجذوذ* )
*فقد كنت الاول*….
الاول بين اقرانك في التعليم
الاول في مهنتك التي عشقتها وعشقتك
مهنة التصوير الفوتوغرافي
فكنت الاول عندما امتلكت اول كاميرا
وكنت الاول عندما انشئت أول استديو للتصوير الفوتوغرافي في شمال السودان في مدينتنا الفاضلة عطبرة التي وسمتها في كتابك ( ستوديو الذكريات) ( عطبرة الأم التي في الفؤاد والخاطر ) وكان هذا الكتاب وفاءا وعرفانا منك لمدينتنا عطبرة وانت توثق بالصورة والقلم لتاريخ عطبرة ورموزها ونضالها ضد المستعمر ويضاف لإنجازاتك العظيمة منذ العام ١٩٤٩
كنت يا ابي الاميز عندما احتفت بك شركة كوداك لندن الشهيرة بإنتاج افلام التصوير الفوتوغرافي عندما ذهلت لمستواك في فن التصوير ابان تدريبها لك في القاهرة وقالت ( انك من احسن المصورين الذين اخرجتهم الامبراطورية البريطانية ).
نعم يا ابي لقد كنت عظيما وانت تسعى جاهدا لان تثبت للعالم اجمع باننا لا نقل مقدرة في الابداع عن باقي الامم .. فانتهجت التوثيق بالصورة لتاريخ بلادنا ليكون مرجعية للأجيال .. وكما قلت ( امة بلا تاريخ امة ذاكرة ) .. فكانت الصورة الفتوغرافية تحكي عن عطبرة القديمة وعن شخصيات سياسية من لدن ( الإنجليز ابان الاستعمار – والرئيس نميري – والزعيم اسماعيل الازهري ورفع علم الاستقلال ) الى رجالات الجيش والشرطة والمبدعين في بلادي في ذاك الزمن الجميل في مجال الفن والرياضة ورجالات التعليم والمجتمع والجاليات التي عاشت بين ظهرانينا يحفنا الحب والاحترام فكان ( الهنود – واليمنيين- والانجليز- والإغريق – والحبش – والاقباط )
ذاك التوثيق بالصور الفتوغرافية والذي اسست به معرضا كان له السبق والفوز المشرف لولايتنا ( نهر النيل ) بين الولايات في معرض الولايات في الخرطوم
نعم يا أبي ما اعظمك وانت الانسان العصامي الذي بنى نفسه بنفسه بجهدك وعرق جبينك ، كنت انت الذي( لم تقبل راي ذاك الممثل المصري ) الذي جاء ضمن فرقة مصرية لأداء مسرحيات في عدة مدن ومنها عطبرة عندما سأله الصحفي ( هل يمكن للسودانيين انتاج سينما سودانية ؟ فرد عليه الممثل بان اللهجة السودانية لا تصلح للسينما والمسرح )
فتحركت فيك مكامن العشق لبلادنا فامتلأت تحديا بان (تثبت للعالم اجمع بأننا هنا) ولنا ما لكم من ابداع ومقدرات (فكان التحدي لك الولوج للفن الصعب الفن السابع) حيث التكلفة العاااالية .. لكنك رصدت كل ما لديك من فكر وفهم واموال لتنتج للسودان اول فيلم سينمائي سوداني روائي طويل فكان ( آمال وأحلام ) وحملت فيه آمالك واحلامك بأن تنهض بلادنا بالفن السابع الذي عظم الدخل القومي للدول التي سبقتنا فيه .. لكن .. لن تقوم قائمة للسينما في بلادنا
ولن تقوم لها قائمة …
فنحن يا ابي لا ندعم مبدعينا … هكذا نحن .. لذلك مازلنا نرواح المكان ..
بسبب الحسد الذي افسد دنيانا.. والله المستعان
نعم يا والدي انت العظيم وعظمتك تجلت ايضا في ان تكون الاول وانت تؤسس اول مطبعة في شمال السودان .. ..
بعد مرور خمسة عشرة عاما على رحيلك يا والدي كيف هي بلادي ؟ ماذا احكي لك انها يا والدي منذ ذاك الزمن الجميل تلاشت تماما .. فلم يعد هنالك فنا سابعا او اول .. فقد جارت على بلادنا الايام والشهور والسنين .. ولا اقول لقد تقهقرنا لا يا ابي ليتنا تقهقرنا لكنا قد عدنا لزمنكم (زمن الزمن زين والناس الزينيين )
لقد اصبحنا يا ابي غرباء وفي غربة ضربت سياجها على علاقتنا الانسانية ..
لم يعد الصديق هو الصديق وقت الضيق .. لم يعد الزميل هو الزميل ( *فقد حل الكيد والحفر والدفر واكل اللحم الحي اسلوب حياة*) ..
ولم يعد القريب ذاك الحنين الذي ياتيك شوقا وتحنانا ..
لا يا ابي .. لم تعد بلادنا اجتماعيا كما نود ونريد ..
فقد اصبحت ( المصلحة تحكم وتتحكم في علاقتنا )…
نعم المصلحة فقط هي الدافعة للاتصال والتواصل ..
المصلحة يا ابي فقط..
ماذا احكي لك ..
انها بلادنا يا والدي ..
فقد ضاق خناق الحياة فيها بسبب الاستبداد والظلم والفساد …
هم يا والدي يبحثون عن مخرج من ازماتهم .. لكنهم يغفلون عن قول الله سبحانه وتعالى ( من يتقي الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب )
إنهم يا ابي ينقصهم حبك ووطنيتك ليجعلوا البلاد والعباد كل همهم .. فهمهم يا ابي ( سلطة ومناصب … ) وان حالفوا الشيطان … متناسين يوما ما سيحملون على الة حدباء .. يحشرون في شبر ارض ومعهم اعمالهم .. فاي اعمال حسنة لديهم ؟!!! امام الديان تسدد الديون ..
انهم يا ابي في غفلة لن يفيقوا منها الا بغضبة من الله سبحانه وتعالى تتنزل علي بلادنا كنازلة قوم عاد وثمود .. و و و .. من ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا ..
يا ابي جاءت ثورة مجيدة قادها شباب بواسل .. قدموا ارواحهم رخيصة لوطنهم في سبيل التغيير للأفضل
لكن
هل يعلم هؤلاء الشباب بان التغيير يحدث هناك في تلك النفوس ..
النفوس التي جربناها وتسعى للتجريب فينا مرة اخرى ….
انهم يا ابي لا ولم ولن يمنحوا الجيل الحالي من الشباب فرصة للتغيير نهاااائي…
لذا سنظل هكذا من معاناة لمعاناة .. لان الله مطلع بما تخفيه الصدور .. ونسأله أن لا يؤخذنا بما يفعلون ….
ابي الحبيب كلي إيمان بأن الله لن يهيئ للبلاد مخرجا او يحدث تغييرا حقيقيا ما لم يعي طلاب السلطة بان الملك لله ينزعه عمن يشاء ويمنحنه لمن يشاء … فهل يدركون ذلك؟
ابي الحبيب ارجو لا ان اكون قد اقلقتك في مرقدك الذي هو روضة من رياض الجنة بحول الله وقوته ..
ابتهل لله الرحيم ان يجعلك في الجنة مع العليين فقد كنت الصادق الامين الذي عمل فاخلص لبلاده ومع الابرار اصحاب النفوس الطاهرة الذكية
رحمة الله عليك وعلى والدتي …
ابتهل لله ان يجمعنا بكم في جناته العلي …
واسال الله ان يولي علينا خيارنا من الصالحين ..
*ويا قلبي لا تحزن*…
والحمد لله رب العالمين
المحبة لك …
ابنتك سهير الرشيد ..