منصة عطاءات السودان tender.sd عطاءات السودان
الاقتصادية

د.عبدالرحيم الحسن محمد عثمان يكتب : التراكم الرأسمالي والتراكم المعرفي في السودان وإشكالية دولة 56

بصدد تحليل واقع السودان وامكانية تغييره بأحداث تحولات في نمط التكوين (التراكم) الرأسمالي والتراكم المعرفي، والذي أثار لقط كثيف في ما يعرف الآن بدولة 56، حيث تثار قضية عدم العدالة في توزيع الثروة بين المركز والولايات وسيطرة مراكز معينة في المركز نفسه من إحتكار للثروات الرأسمالية والمعرفية.
أولاً: مفهوم التكوين (التراكم) الرأسمالي:
أي نمو اقتصادي يعتمد علي التراكم الرأسمالي وهو: “نمو الدخل بفضل نمو وسائل الإنتاج (كمية ونوعية العمل، رأسمال في شكل نقد سائل أو آلات ومعدات، أرض زراعية أو صناعية وإدارة جيدة) وحجم عائدات هذه الوسائل، ويرتبط ذلك بوعي المجتمع بالتضحية بتأجيل جزء من استهلاك الحاضر للمستقبل، حيث يقوم المجتمع بعملية ادخار عن طريق تأجيل استهلاك جزء من انتاج الحاضر لكي يحصل على مقدار أفضل من الاستهلاك في المستقبل. وبالتالي هي العملية التي يقوم بها المجتمع بتطوير وتحسين الموارد الحالية أو بإضافة موارد انتاجية جديدة لكي يحصل التراكم الرأسمالي.
وفي واقعنا السوداني بشكل عام تتعثر عملية التراكم الرأسمالي بسبب استهلاك معظم المنتج وعدم الميل للادخار وأبعد من ذلك أن نسبة الاستهلاك تزيد على المنتج فيلجأ المجتمع الى الاعتماد على التراكم الاجمالي لرأس المال (نأكل الفايدة وجزء من رأس المال). لذلك نظل نراوح مكاننا وذلك لعدد من الأسباب:
* ضعف في مدخراتنا لتخلف وسائل الانتاج (لسة شغالين بالكوريق والطورية والكدنكة في الزراعة، والحليب الرائب والصرار التقليدي في منتجات الثروة الحيوانية)، وهذا نتيجة لعدم الاستقرار السياسي الذي استزف الموارد في الصراع بتحويل الأولوية الي حفظ الأمن (80% من موارد السودان).
* لجؤ البعض للاستثمار في الخارج بسبب تخلف الانظمة والقوانين المالية والمصرفية (الاقتصادية) وضيق مجالات الاستثمار، والبعض تستهويه المضاربات والربح السريع (تجارة المحاصيل والأراض والعملات) وعدم الميل والرغبة في التوجه لايجاد صناعات ثقيلة أو حتى خفيفة لكونها بطيئة دوران رأس المال وتحتاج إلى آجال طويلة لعودة رأس المال المستثمر ومن ثم تدر الأرباح والبعض يعتبرها مجازفة غير مضمونة.
وهذا ينعكس في استهلاك شره لاستيراد الكماليات رغم ان السمة السائدة هي انخفاض المقدرة الشرائية لدى الأغلبية العظمى من المستهلكين بسبب قلة الدخل، ولا يمكن تجاوز هذه الاشكالية إلا عن طريق استثمار قدر كبير من رأس المال وزيادة الانتاج كون زيادة الإنتاج ترفع القدرة الشرائية، ان زيادة الإنتاج وتحسينه يعتمد بشكل رئيسي على قدرة وكثافة رأس المال المرصود في (بناء المشاريع الزراعية والصناعية والبنية التحتية من طرق، كباري، مرافق المياه والكهرباء والصرف الصحي).
من جهة أخري واجه السودان واحدة من أهم المشكلات الحالية وهي زيادة معدلات النمو السكاني وفي اقتصاد متعثر بسبب انخفاض الانتاجية وهذا ينعكس علي نمو دخل الفرد بشكل سالب، وبالتالي فوسائل الإنتاج أيضاً غير متطورة، لأنها تحتاج إلى أموال ضخمة حتى تواكب التطورات المعاصرة وترفع مستوى العمالة غير الماهرة وتسد النقص في المهارات التنظيمية، وتنتشل الواقع التعليمي والتدريب المهني من موقعه المتخلف إلى مواقع متقدمة.
لكل ما سبق حاول السودان أن يتدبر تدفق رأس المال والمعونات المالية والفنية من الخارج، وبالتالي الدخول في حلبة الأسواق الأجنبية والاعتماد على الدول الغنية شيئاً فشيئاً فتضعف القدرة على تكوين المدخرات وزيادة رأس المال مما أخل السودان في التبعية الاقتصادية والتكنولوجية وملازمة الفقر ومثال ذلك الاعتماد بشكل كبير على تدفقات المعونات الخارجية وتدفقات رؤوس الأموال الأجنبية وباءت العديد من المحاولات للخروج من هذا المأزق بالفشل.
عليه فإنه لبداية صحيحة يجب أن يبدأ السودانين بالإعتماد على النفس بشكل أساسي في تحقيق نمو وتراكم راسمالي بطيء دون القفز على الواقع فالطريق صعب وطويل وبحاجة إلى تضحيات لكي نخرج من حلقة الفقر، فكثير من المجتمعات في العالم كانت فقيرة ولكنها خرجت من طوق الفقر إلى رحابة الدول الغنية المتقدمة.
تاريخياً شهدت بعض مناطق السودان بناء بنية تحتية في بدايات الدولة الحديثة في عهد المستعمر، مثل خزان سنار والسكك الحديدية والكهرباء والموانئ في سواكن ودواوين الحكومة والمدارس والجامعات ومباني الصحة من مستشفيات ومراكز صحية ووقائية، كانت نواة تراكم رأسمالي ومعرفي ازدات في بعض المناطق وقلت في بعضها لظروف عدم الاستقرار السياسي وعدم التخطيط الجيد، لكن التاريخ يوضح بجلاء أن الحروبات والصراعات السياسية كانت الخطر الأكبر الذي واجه عملية التراكم الرأسمالي والمعرفي في الأقليم بفعل استمرار الصراعات والحروب.
وهنا يعز ذلك الأمر لعدد من الأسباب أهمها:
*عدم التوافق علي نظام سياسي يجد الجميع فيه.
* عدم وجود مؤسسات وجهاز تحطيط يوجه الموارد المتاحة لخدمة جميع السودانيين.
* الرؤية القاصرة في حل الصراعات واستخدام السلاح كوسيلة لأخذ الحقوق مما أفقر الريف الخزينة العامة للدولة.
* انتهاج سياسات خطأ باستغلال مؤسسات الدولة في افقار وتصفية الخصوم بفعل السياسات الانتقائية في التجارة المحلية وتجارة الصادر والوارد وحماية الصناعات والمؤسسات الفاشلة في القطاعين الخاص والعام.
حرب 15 أبريل أوضحت بجلاء تلك المعضلة حيث تأثر معظم السودانيين بعد إنهيار منظومة الصناعات المحلية ومراكز التجارة في الخرطوم من أسواق ومناطق صناعية وتوقف المؤسسات التعليمية (المدارس والجامعات) والمؤسسات الصحية التي كانت تشكل نواة الدخل بالنسبة للمواطن والدولة، حيث شهدت المؤسسات الإيرادية شح في توفير المرتبات لموظفي الدولة لخمس شهور مضت. وهذا يعكس بجلاء حاجتنا لخلق مراكز نمو وتراكم رأسمالي ومعرفي في كل ولايات السودان بحيث نصل إلي التنمية المتوازنة في كل ربوع السودان بعد توقف الحرب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى