حسن فضل المولى يكتب : الحلنقي .. عصافير الخريف
.
( ياحبيب ورد الأماني
الحلوة في أعماقي فتح
و ابتدا القلب العاش
العمر في آهاتو يفرح
و الزمن ما أظن بعدك
يرجع تاني يجرح ) ..
هذا ( حلنقي ) ..
و هو إذ يفرح ..
يُمَنِّي النفسَ بزمنٍ لا يجْرَح ..
و أنى لنا بذلك الزمن الذي لا يجْرَح !!
و جُلّ الذي حولنا يُدْمِي و يجْرَح ..
لقد أتَيْتُ بمَعِيِّته ، وكم كنت
سعيداً بذلك ..
و عندما قدمه صديقُنا اللطيف الفذ ( طارق كبلو ) ، و المذيعُ الفَذُ بين
الناس عُنوانٌ ، ليتحدث في ليلة تأبين الراحل الدكتور ( عثمان مصطفى ) ، وهي تلك الليلة الليلاء ، التي تجلى
في إخراجها النجم الثاقب ( شكرالله ) ، لم يزد ( حلنقي ) ، على أن قرأ بصوت موجوعٍ واجِفٍ راجف جانباً من كلمات الأغنية التي جمعت بينهما ..
( راح الميعاد وزماني راح
و الجُرح لا نام لا استراح
لكني مُتْكتِّم عليهو
من جراح أحب جراح ) ..
و هي المنظومة التي أفرغ فيها حِمماً
حارقة من الشجن والصبابة و التحَسُّر ..
( ياريتني لو أقدر أعيد
لحظات من الماضي البعيد ) ..
رحمة الله تغشاك ( عثمان ) ، فقد
جعلت للغناء ، في بلادي ، ألَقَاً
و قوةً و نكهةً و نهجاً لا يُجارى ..
و بِطَلَبٍ مني ، كان قد أهداني للتو
ديوانه ( عصافير الخريف ) ، و نحن نلتقي في أيْكَة ( شيخ الأمين ) ،
و الأيكة الشجر الكثيف المُلْتَف ،
حيث تتكاثر العصافير من كل لون ..
و كما أن ( حلنقي ) مولعٌ بالتغني للعصافير ، فإن ( شيخ الأمين ) من
يُهييء لها ( الأعشاش ) فيطيب لهاالمقام ، في حِمَىً ملؤه السكينة
و الصلاة على خير الأنام ..
و جاء في إهدائه لي ..
( جنرال الذكريات الجميلة ..
أمامك هذه العصافير ، فكُنْ لها
أعشاشاً تأوي إليها عند المساء ..
أخوك إسحق الحلنقي ) ..
سمعاً و طاعةً ياسيدي ( إسحق ) ..
فأنا من أودَع العصافير قلبَه و حمَّلها أشواقَه في حِلِها و رحيلها ..
( هجرة عصافير الخريف
في موسم الشوق الحلو
هيج رحيلا مع الغروب
إحساس غلبني اتحملو
و كتمت أشواق الحنين
داير الدموع يَتّقَلو
و رجعت خليت الدموع
يرتاحو مني و ينزلو
ليه ياعصافير الخريف
خضرة مشاعري أشيلا صيف ) ..
هذه الأُنشودة المُلتَهِبة بالحنين
و الأنين ، لا أمَلُّ سماعها من فمٍ
عذب التطريب ، أحيَّا بغنائه
النفوس و نضَّر الجوانح ..
( محمد وردي ) ..
و ( وردي ) و ( حلنقي ) عندما
يلتقيان ، تَطُولُ أعمارٌ و تُطْوَى
مسافات و تستضيءُ مُهَجٌ ..
( أقابلك في زمن ماشي
وزمن جايي و زمن لسه
أشوف الماضي فيك باكر
أريت باكر يكون هسَّه ) ..
هما توأم روح و وجدان ..
روى ( حلنقي ) أن( وردي ) قال
له مرة : ( عايز لي أغنية حِنَينَة
و لطيفة تكون سُكرة كِدة ) ، فكانت ..
( الحِنينة السُّكرة ) ..
و كان ( وردي ) يخاطب جمهوره :
( أبَكِّي ليكم حلنقي ؟ ) ، فيغني ..
( دوري دوري يا أيام ) ..
و هو يعلم أن هذه الأغنية ، تُوجِع
( حلنقي ) و تأسره و تُزلزِله ..
و قناعتي ..
إذا ما ساءتنا أفعالُ أقوامٍ ، من
حولنا ، و هم يُوقِدُون النيران في
تجاوِيفِنا ، و يَمْتَّصُون دماءنا ،
و يسحقون عظامَنا ، و يَئدُون
أحلاَمنا ، فإن لنا في ( حلنقي )
و ثُلَّتهُ عزاء ، و هم يُداوون جراحَنا ،
و يُدْهِبون غَيظَ أنفسنا ، و يَمُدُوننا بمسراتٍ تستحيل الحياة على
وهَجِها نعيماً و حباً عظيماً ..
و لا يواتيني هنا وصفٌ أخلعه على ( حلنقي ) ، أبلغ من مطلع قصيدته ،
التي صدح بها الفنان الغِرِّيِد ( الطيب عبدالله ) ..
( إنت يا الأبيض ضميرك
صافي زي قلب الرضيع ) ..
و ضمير بهذا الصفاء و هذا البياض ،
ليس بعسير عليه أن تنقاد له مواكب
الجمال و هالات الضياء ، فينسج منها
كلاماً في لون الشفق ، و بهاء مطلع
الفجر ، و حرارة أنفاس العاشقين ..
( يا أعزَّ الناس حبايبك نحنا
زيدنا قليل حنان
ده العمر زادت غلاوتو معاك
و صالحني الزمان
يا أحنَّ الناس ) ..
و ليس في حياتنا من أحدٍ ليس له
عزيزٌ أعزّ ، صيَّره ( حلنقي ) ، برقيق
كلامه و ذوب أنفاسه ، مُوحِياً للتَذَكُّر ِ
و الصبابة ، و نداءات الروح الحفيَّةِ الخفِيَّةِ ..
( انت بتضوي ابتسامة
و انت بتظلل قمامة
يا ما هوَّنت القواسي
يا ما كم فرَّحْت يا ما
اللي تايه عمرو كلو
يلقى في دربك سلامة
العمر قربك يفرهد
و السنين يرحل ظلاما ) ..
و أيضاً ..
( عيش معاي الحب
عيش معاي حناني
خليني أنسى سنين
عشتهم وحداني ) ..
و هنا عندما تستمع إلى ( حلنقي )
و ( صالح الضي ) ، يجعلان منك بشراً يمشي على الماء ، و يتوشح بالضياء ، تحت تأثير ..
( أنا ما بسيبو غرامك
رضيان معاك بي شقايا
لمتين طريقك يَقْصَر
تعرف نهايتو خُطايا ) ..
و أنا بيني و ( حلنقي ) محبة و قُرْبى ، نبتت في براحات أخي الحبيب
( صلاح أحمد إدريس ) ، التي كانت
عامِرة بالصفاء و الهناء ، و غامِر الاحتفاء ، و معسول الغِناء ..
و قد حَظِيتُ بمعايشة ميلاد أغنيات زاهيات ، من نسج (الحلنقي) و تطريز ( صلاح ) و لمسات ( محمدية ) ..
فتغنى الكروان ( حمد الريح ) ..
( تعيش وحداني أيه ذنبك
يا عطشان و البحر جنبك ) ..
و هو ماسبق إليه طرفة بن العبد ..
( و أمرُّ ما لاقيت من ألم الهوى
قرب الحبيب و ما إليه و صول )
و الملك ( جمال فرفور ) ..
( على صفق العنب إسمين
كتبناهم بدمع العين ) ..
و المرهف ( عادل مسلم ) ..
( ما عليّ لو جات مواكب
ولا فاتتني المراكب
القمر مادام معايا
أعمل أيه أنا بالكواكب ) ..
و الفخيم ( سيف الجامعة ) ..
( أعذريني الدمعة دي
حتبقى آخر دمعة ليَّ
تاني لو قرَّبت منك
يبقى ليكِ الحق عليَّ )
و آخرون ..
و لما كان المرء ابن بيئته ، تجد رحيق
و عبق ( كسلا ) في أنفاس ( حلنقي )
و أشعاره و تجلياته و تصاريفه ..
و كثيرون مثلي لم يروا ( كسلا ) و لكنها
حاضرة في وجدانهم ، لِما ذاع عنها
من جمال و بهاء ، من خلال أشعارٍ
رفعتها مكاناً عليِّاً ، وهي تتغزل في
( قاشها ) و ( توتيلها ) و ( أُناسها ) ..
فهناك رائعة توفيق صالح جبريل ..
( يا ابنة القاش إن سرى الطيف وهْنَاً
و اعتلى هائماً فكيف لحاقي ؟
و المنى بين خصرها و يديها
و السنى في ابتسامها البرَّاق
( كسلا ) أشرقت بها شمس وجدي
فَهْي في الحق جنةُ الاشراق ) ..
و هذا الوريف ( عبدالوهاب هلاوي ) ،
و الذي عمَّده ( حلنقي ) نائباً له في
( جمهورية الحب المتحدة ) لغرامه
و تعلُقِه ( بكسلا ) ..
( مين علمك يافراش
تعشق عيون القاش
الخضرة في الضفة
و همس النسيم الماش ) ..
و يظل ( حلنقي ) حاضراً ، و مُتيماً ،
و وفيَّاً ، و مُورِقاً ..
( حبيت عشانك كسلا
و خليت دياري عشانك
و عشقت أرض التاكا
الشاربه من ريحانك ) ..
و هي الكلمات التي جعلها الفنان
الإنسان إبن كسلا البار ( التاج مكي ) تفيض عذوبة و تضوع دِفءً و تَشِعُ بريقاً ..
و ( التاج مكي ) حينما يُعانق ( الحلنقي ) ، ينْفُثُ فيك سحراً و سروراً
و ابتهاجاً ، بصوتٍ غنيّ النبرات
و احساسٍ و لا أروع و لا أجمل و لا أعمق ..
( دار الفرح و الريد
تلقاني من أهلا
مين اللي ما بعرف
طيبة شباب كسلا
وسط الضفاير بان
وجه القمر طلا
كيف قلبي يصَبَّر
صبرني يا الله ) ..
الله يصبرك يا (حلنقي ) ، و يصبرنا
معاك ، و أنت تقاسي رَهَق الانتظار ..
( عَدَّت لحظات و كمان ساعات
طالت وحياتك منتظرين
لو وشوش صوت الريح في الباب
يسبقنا الشوق قبل العينين
و نعاين الشارع نلقاهو
تايه في دموع المغلوبين )
و الله يصبرك و يثبتك عند اللُّقيا ..
( أقابلك و كلي حِنِيَّة
و اخاف من نظرتك ليَّا
أخاف شوق العمر كلو
يفاجأك يوم في عينيا
ورا البسمات كتمت دموع
بكيت من غير تحس بيا ) ..
و الله يصبرك على مُر الجفا ..
( كِدَه الأيام تبدل فيك
تشيل مني ابتسامتك ديك
و أنا لو هبَت النسمة
أخاف النسمة تقسى عليك
كِده الأيام تبدل فيك ؟ ) ..
و الله يصبرك و أنت تكتوي بنيران
الغُرْبَة ..
( ياراجياني و ما ناسياني
يا ما الغُرْبة بتتحداني
و أنا بتحدى الزمن الجاير
لو في بعدك يتحداني ) ..
و الله يصبرك على ما تجري به المقادير ..
( ماشي أمرك ياقدر
إنت أحكامك مُطَاعة
لو حصل نحن افترقنا
و الليالي الهم أضاعا
لمْسة الذكرى المعايا
تبقى زاد روحي و متاعا ) ..
و هي الكلمات التي ألبسها الأستاذ
( صلاح مصطفى ) ، حلة زاهية بعبقريته المُتَّقِدة و صوته العذب
و روحه الشفيفة ..
و ( حلنقي ) بهذا ، و في كل خطواته المشاها ، لم يكن يُعَبِّر عن ذاته ، بل
كان تُرجماناً صادقاً لما يعتاد النفوس ، من لواعج و مشاعر و تجَليِّات
و تقلُبات ..
لذلك فقد أحسن صُنعاً من أطلق
عليه ( رئيس جمهورية الحب ) ،
و لعله الصحفي المطبوع ( طلحة
الشفيع ) ..
إذ ظل يُبشِر بالحب و يهدي المحبين زيت القنديل و زاد الطريق و لُفافات الصبر ، و يضيئ أرجاءهم بأنوار اليقين ،
و قَيم الصدق والإخلاص ،،
و هذا هو عين الحب ..
أن تزرع في طريق من تحبهم وروداً
و مسرات ..
وتُومِضُ في خيالهم ألف حكاية جميلة ..
و تُحْيي قلوبهم بدفقاتٍ صادقة من
النبل والتسامي ..
دون ان تنتظر ما يُقابل ذلك و يُكافئه ..
لذا الحب في شريعة ( حلنقي ) حالة
من الرضى ..
( عشة صغيرة كفاية علينا
نعرشة ليك برموش عينينا
نفرشة ليك بحرير أيدينا ) ..
و حالة من التعَلُّق ..
( نجمة نجمة الليل نعدو
و السنين ياحليلنا عدو
إنت ماعارف عيونك
لما تسرح وين بودو ) ..
و حالة من الترقُّب ..
( أيه يضيرك تسأل
يوم علي ياغالي
و انت وحدك عارف
همي عارف حالي
كيف أواصل صبري
في الطريق الخالي
كيف بدونك تصبح
الليالي ليالي ؟ ) ..
و حالة من الرجاء ..
( أسمعنا مرة
و حاتنا عندك أسمعنا مرة
الدنيا تبقى مافيها مُرة
و الكون يلالي بهجة و مسرة
حِن في عمرنا شايفنو مرة
و إن قلت لا لا هم واستمرا )
و حالة من المناجاة الكظيمة ..
( بتتعلم من الأيام
مصيرك بكرة تتعلم
و تعرف كيف يكون الريد
و ليه الناس بتتألم ) ..
و حالة من ( النسمة البتحرق شوق ) الفنان الصومالي ( أحمد ربشة ) ..
و حالة من الاندهاش ..
و حالة من الاندياح ..
و حالة من التسامح ..
و حالة من التلاشي ..
و حالة ..
وحالة ..
( حلنقي ) ..
في كل أحواله هذه ، تجده قد أنشأ
لنفسه مملكة للجمال ، لا يدخلها إلا
من امتلأت نفسُه جمالاً ، أو من
ينشد الجمال و يتدثر بالجمال ..
تموج بالطيور ، و تَغُصُّ بالأزاهير ..
من كل جِنسٍ ومن كل لون ..
و تحِيَّةُ أهلِها حلو الكلام و عذب
الأماني ..
تجد ( محمد الأمين ) ، يُشجيك
و يُسبيك ، و أنت تَنعَمُ بالاصغاء إليه ،
و هو الذي ترجم ( لحلنقي ) أصفى
و أعذب ما جاشت به الصدور ،
من أحاسيس و مشاعر ، بصوت ٍ
يجعل الأفئدة يتسارع خفقانُها ،
و هو من قال إنه قد تغنى بأجمل
أشعار ( حلنقي ) ..
( شال النوار ظلل بيتنا
من بهجة و عدك ماجيتنا
و فضلنا وحاتك منتظرين
شوف وين روحتنا وديتنا ) ..
و ( علي إبراهيم اللحو ) ..
يقوقي بصوتٍ قويٍّ عميق ، يوقظ
فيك كل دواعي الاشتياق ، و هو يناجي ..
( قول لي يا الطير الخُداري
قول لي وحيات حبنا
وين رسايلك ياحليلا
وين عيونك مننا ) ..
و ( أحمد الجابري ) ..
يدغدغ مشاعرك بصوت أنيسٍ رخيمٍ
طاعم ..
( البلوم في فرعو غنى
طرانا يا الحبان أهلنا
طرينا مشوار العصاري
و رقشة الورد البراري
البريد داير يداري
و القلوب دايرة المحنة )
و ( حمد الريح ) ..
ينثر غالي الدرر بغناء أشبه بالغَوْص
و أحياناً بالتحليق ..
( حمام الوادي يا راحل
مع النسمة الفرايحية ) ..
و ( إبراهيم حسين ) ..
يفرض تأثيره عليك و انقيادك له ..
( عصفورة الحِنيِّة
بِتْنَسِي كلَ أسيِّة
قالت مناها تجينا
و ما لاقية سَكَة جية )
و ( البلابل ) ..
بأصواتٍ شجية ندية ، يُعَطِّرن الأجواء
بحثاً و تِسآلاً ..
( البيسأل ما بتوه ) ..
و هنَّ يتَهادين هنا وهناك في خفة الغزلان و وقار الطواويس ..
( ياخاتم المنى لو نلقاك هنا
تبعد همنا و تدينا الهنا ) ..
و العالِم البروف ( أنس العاقب ) ،
خير من يفيض في الحديث عن
تلاقي الأمواج ، ( حلنقي ) و ( البلابل )
و الملحن القدير ( بشير عباس ) ،
غشيته الرحمة و المغفرة ..
و أجدني في غاية الاستغراق مع
( حلنقي ) ، و هو يمرح و ينْقَبِض ،
يعلو و يهبط ، يستكين و ينتفض ،
يَذبُل و يخْضَر ..
يطارد كلَ سحابة مُكتَنِزةٍ واعدة ..
و يداعب كلَ غصن مورقٍ مُزهِر ..
و يسْبَح مع كلِ موجة زاحِفةٍ مُنسابة ..
و يسافر مع كلِ طائرٍ مُحلُقٍ مرتحل ..
و يحمل ( فرشاةً ) يصور بها خلجات
الأنفس والأفئدة ، في كل أحوالها ،
لتتجلى الحياة بنعيمها و شقائها ،
و يُسْفِرُ الزمانُ ، الماضي منه و الآتي ،
بكل تباريحه و أفراحه ..
فعندما يُقْبِلُ ..
( يا حنيِّن زي عش العصفور
معروش بالنور كلو محبه ) ..
و عندما يُدْبِر ..
( جيت تفارق يلا فارق
شيل معاك غيم المشارق
إنت ما أول مودع
و إنت ما آخر مفا رق ) ..
و عندما يفرح ..
( طفلين كنا لا شايلين هم
لا عارفين بكره الجايينا
وأهلنا عيونم تتمنى
تتمنى الهم ما يلاقينا )
و عندما يتوجَّع ..
( صَحَيتْ جَرِح جُواي أليم
ما كنت دايرك تَلمَسُو ) ..
و عندما يَنتَشِي ..
( فرحي خلق الله و اتني
ياشبه القمرا ) ..
و عندما يصفو ..
( ياعسل رايق مصفى
ياعيون كاتلانا إلفه ) ..
و عندما يُوَدِع ..
( أديني رضاك قدامي سفر
سفراً مكتوب ما بتأجل ) ..
و عندما يحزن ..
( طعم العسل يُمَه
ما ضُقْت ليهو حلا
حسيتو بعدك مُر
حسيت أماسي العيد
بتمر حزاينية
ما فيها بسمة تسر ) ..
و عندما يرثي صديقه ( وردي ) ..
( يا أعز الناس حليلك
و انت شايل العود تغني
و قلبي سارح في الغناوي
الطالعة منك و شايلة مني ) ..
و عندما يَعْزِم ..
( كل زول يحمل رسالة
أمينة صادقة بعيد مداها
يعرف التاريخ بيحسب
كل خطواتو المشاها
و الحدود الفاصلة هي
يبقى عندنا مسؤولية ) ..
و عندما ..
و عندما ..
هذا قليلٌ قليل ، من كثير ( حلنقي ) ، الذي أطلق عليه الشاعر الرقيق
( مختار دفع الله ) ، ( ملك المطالِع ) ، ليظل مُوغِلاً في البساطة و التلقائية ،
و المباشَرَة ، مُتجافياً عن التعقيدات اللفظية ، و الباطنية الرمزية ، و التُقْية
أو ( اللوْلَوَة ) و ( الخطرفات )العاطفية ..
إن الذي يميزه أنه يخاطبك بكلامٍ
زُلال ، لاتجد مناصاً من الانقياد له
و الامتلاء منه و الارتياح إليه ، و ذلك
من خلال مُفردات مألوفة لديك ،
و مشاعر تحسها ملأ خافقيك ..
و هو شاعر جَهْبذ ..
يرى الأشياء بقلبه ..
و ( قلوب الشعراء لهم عيون ٌ
يرون بها مالا يراه الناظرونا ) ..
و للذين لايزالون معي على خُطاه
الميمونة أُقِرُّ ..
إنها مهمة عسيرة بالنسبة لي ، و أنا
قليل النجاعة و البِضاعة ، أن أحيط
بكل هذا الاتساع و العلو و البريق ،
الذي جسدته أشعار ( حلنقي ) ،
و التي وجد فيها المُغنون ضالتهم المنشودة ..
لقد تغنى له من سبق أن ذكرت ..
و تغنى له ( زيدان ) بكل جماله ..
( بنتأسف على الروَّح
من الأيام و نتحسر ) ..
و تغنى له كابلي بكل شُموخه ..
و تغنى له أبو عركي بكل عُنفوانه ..
و تغنى له (خوجلي عثمان ) بكل ألَقِه ..
و تغني له ( عبدالعزيز المبارك ) بكل رِقَتِه ..
و تغنى له الدكتور ( عبدالقادر سالم )
بكل مجْدِه ..
و تغنى له ( إسماعيل حسب الدائم )
بكل مهارته ..
و تغنى له ( كمال ترباس ) بكل
توَهُجِه ..
( سلامة كسلا ما تشوف شر
تضوق العافية ما تنضر ) ..
و تغنى له كُثرٌ لم آتي على ذكرهم ..
و قد أورد الصحفي الهُمام
( سراج الدين مصطفى ) ، أنه
طلب مرةٍ من فقيد الصحافة
الموهوب المحبوب ( سعدالدين إبراهيم ) أن يذكر له الذين تغنوا ( للحلنقي ) فأجابه ( سعد ) بذكاء :
( من الأسهل أن نُحصي الذين لم
يتغنوا له ) ..
و قطعاً فقد ازداد ضَوْعاً و سُطُوعاً ،
كل من تغنى له ..
و ازداد انشراحاً و ارتياحاً و التماعاً
و التياعاً ، كل من لامسه دفءُ أشعارِه ..
فيا أيها العُزاز ..
لكم أن تتصوروا مُناجاة المحبين
خِلواً مما أوحت به أشعار ( حلنقي ) ..
و لكم أن تتصورا أحوال الغِناء إذا
تجردت من أشعار ( حلنقي ) ..
و لكم أن تتصوروا إحساساً لا يتوسل
بجرعاتٍ من أشعار ( حلنقي ) ..
( جيناكم ياحبايبنا
بعد غربة وشوق
نغالب فيه و يغالبنا
و نكتم آهة تظهر آهة تتعبنا
حنين لي شوفة الغالين
مِدَوِبْنا ) ..
و لكم ..
و لكم ..
و لك مني كل المعزة ..
إسحق عثمان إبراهيم الحلنقي ..
والسلام ..
أديس أبابا .. ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٢ ..