حديث المدينة – عثمان ميرغني- فتوى الشيخ عبد الحي
انتشرت أمس في وسائط التواصل الاجتماعي والمواقع الاخبارية فتوى منسوبة للشيخ عبد الحي يوسف.. وضع لها عنوان ـ”جواز نشر صور هلـ؛كى المليشـ؛يا” وفي نَصها أن الشيخ أفتى ( إذا توفرت المصلحة فإنه يجوز نشر الصور).
سبق لي أن علقت أن مثل هذه الفتاوي تمنح اختصاصا واسعا لشيوخ ليس بوسعهم أن يدركوا كل العلوم والمعلومات في جوانب الحياة المعقدة الممتدة.. وكتبت هنا أكثر من مرة عن ضرورة تحديد “اختصاص” الفتوى.
ولتوضيح الفكرة سأخذ مثلا فتوى الشيخ عبد الحي هذه.. فهو أرجع الأمر لأهل الاختصاص بقوله (إذا توفرت المصلحة فإنه يجوز نشر الصور).. انظر بالتحديد لعبارة (إذا توفرت المصلحة)..!
الشيخ عبد الحي هنا ارتكب خطأين :
الأول : أن هذه العبارة (إذا توفرت المصلحة) في غاية الخطورة.. لأنها تترك تحديد المصلحة للاجتهاد الممتد الذي قد يتسع تقديره ليشمل كل من تقع في يده هذه الصور، فيقدر أنها للمصلحة وينشرها.. وهنا تصبح فتوى الشيخ عبد الحي باب مفتوحا على مصراعيه لفوضى عارمة.. محروسة بفتوى شرعية.
الثاني : الشيخ عبد الحي، بحكم كونه ليس خبيرا في الاعلام، تصور أن الصور شيء واحد قابل لتحديد وجود أو غياب المصلحة فيه.. بينما “الصور” لا تتشابه ولا يربطها سياق واحد يجعل حكمها متحدا.. فتقدير المصلحة هنا على كل صورة منفردة.. وليس كل الصور مجتمعة.. مما يعني عمليا أن أول ضوابط هذا الأمر هو حتمية أن تخضع لمعايير مؤسسية لا فردية.. تحكم على كل صورة بمضمونها وظرفها ووقتها و تأثيرها المتوقع.
شاب يحمل في يده هاتفا متطورا له قدرة عالية على التصوير الدقيق.. وجد الفرصة أن يلتقط صورا لقـ؛تلى بعد معركة.. هنا حسب الفتوى عليه أن يجتهد رأيه في تقدير المصلحة في كل صورة ثم نشرها .. وقد يتسبب النشر في ضرر بليغ غير قابل للجبر.
إذا قبلنا أن الشيخ عبد الحي هنا أمر بإحالة الفتوى لأهل الإختصاص فهنا الخطأ أكبر..لأنه حاز على حق تحديد جهة الفتوى فاحتكر بذلك المرجعية.
في تقديري؛ بصورة عامة، لم يعد من حاجة لالتماس الفتوى في علماء الدين الا في المسائل المباشرة المتصلة بعلوم الدين المختلفة حسب تخصصاتهم. بينما توجه الأسئلة دون أن تسمى فتوى، لأهل الاختصاص مباشرة.. الطبيب أو المهندس أو ضابط الجيش أو الشرطة او الأمن أو القانوني أو الزراعي إلى آخر التخصصات مهما كثرت.
من المثال موضوع هذا العمود، لم يكن صوابا أن يوجه طلب الفتوى للشيخ عبد الحي، ولم يكن صوابا أن يرد هو حتى بالإحالة إلى أهل الاختصاص.. بل كان الأوجب أن توجه المسألة مباشرة لخبير في الاعلام أو لمختص في الحرب النفسية أو كلاهما معا.
وتنتفي الحاجة لأي غطاء ديني يمنح الاجابة أي إلزام أو قدسية.
وبصفتي خبير في الإعلام فلو وجه لي السؤال لكانت اجابتي، أنه لا يجوز نشر أي صور تختص بالمعارك مهما كان نوع الصور الا عبر ادارة الأعلام العسكري المختصة.. وأن على هذه الإدارة وضع لوائح و أسس تعتمد عليها في السماح أو عدم السماح بنشر هذه الصور.
وبالضرورة هذه الإدارة المختصة ستصد قرارها لكل صورة منفردة وليس بصورة عامة لكل الصور.
وتسمح بالنشر حسب الظرف والتوقيت المحيط بالصورة، وحسب تأثيرها المتوقع ايجابا أو سلبا.
#حديث_المدينة الخميس 28 نوفمبر 2024