كشف فنان الطمبور جعفر السقيد تفاصيل مثيرة حول اعتقاله بإيعاز من على عثمان محمد طه النائب الأول لرئيس جمهورية النظام المخلوع عمر البشير بسبب أغنية (الرواسي) التي صاغ كلماتها ووضع الحانها الشاعر حاتم حسن الدابي، بالإضافة إلى اعتقال الإعلامي بابكر حنين الأمين العام للمصنفات الأدبية والفنية وقتئذ، وتم التحقيق مع الثلاثي في الأغنية التي انتقدت الأوضاع السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية والثقافية في البلاد، ووجهت رسالتها إلى رئيس الجمهورية مباشرة، وطالبته بتسليم دفة القيادة إلى غيره، فإلى مضابط الحوار.
في البدء ما أسباب اختفائك؟
إنما سفري خارج البلاد، والذي سببه بعض المضايقات من جهاز الأمن والمخابرات الوطني، ورغماً عن ذلك كنت أشكل حضوراً في بعض مسارح الولايات، الجامعات ومناسبات الأعراس، إلا إنني كنت مقصراً في حق جمهوري بالخرطوم، وهو السبب الذي جعل الجمهور يوجه سؤاله (أين جعفر السقيد)؟.
ما الجديد الذي سوف تطرحه لجمهورك في الأيام المقبلة؟
لدي الكثير من الأغنيات الجديدة، وآخر عمل غنائي إنتجته حول (الحميات) في مدينتي (مروي) و(الدبة) بالولاية الشمالية بصورة عامة، وهي تعاني منذ نظام الرئيس المخلوع عمر البشير وإلى الآن.
لماذا اختفيت عن الساحة الغنائية بعد سقوط النظام البائد؟
الاختفاء حدث منذ العام 2010م إلى العام 2012م، وذلك نسبة إلى أنني كنت خارج البلاد بسبب المضايقات، ولكن استفت من ذلك السفر في جولات فنية في دول الخليج ومصر.
ما السبب وراء مضايقات جهاز الأمن والمخابرات الوطني لك؟
تعرضت لحرب ضروس من نظام الإنقاذ، وذلك بسبب أغاني كنت أغنيها ضد نظام الرئيس المخلوع عمر البشير، والتي على إثرها تم اعتقالي وإيقاف أغنياتي، هكذا ظل النظام البائد ينتهج معي ذلك النهج القائم على محاصرتي، مما ساعد ذلك في انتشار أغنياتي.
رأيك في الساحة الفنية بصراحة؟
هنالك فنانين كثر ظهروا في الحركة الفنية، ووضعوا بصمة في الحركة الفنية، ورغماً عن ذلك نلحظ غياب الحفلات العامة، إلا أن (الطمبور) يشكل حضوراً مميزاً في الحراك الفني، وهذه محمدة لأغاني (الشوايقة)، وتوجد أصوات جديدة في الساحة سيكون لها شأن عظيم في المستقبل.
ما هي وجهة نظرك في إدخال الكهرباء في آلة الطمبور؟
إدخال الكهرباء في آلة (الطمبور) يحدث إشكالية ، خاصة وأن إدخال الآلات الموسيقية المصاحبة ليس جديداً إلا أنها لم تجد القبول من المستمع، فالمتلقي أعتاد على الطمبور بدون أي إضافات، وأي إضافات فيه تخصم منه أكثر مما تضيف له نسبة إلى أنها تغطي على صوت (الطمبور)، ولا تدع مخارج الصوت تظهر بصورة واضحة، ولم تنجح تلك التجارب بدليل أن الطمبور مازال مسيطراً.
هل آلة الطمبور حصرية على (الشوايقة)؟
بكل تأكيد لا، فمعظم قبائل السودان لديها آلة (طمبور) و(ربابة ) مع اختلاف المسميات إلا أن الشكل واحد والأوتار واحدة، وبالتالي هي ليست حصرية على الشوايقة، ولكن أغنيات الشوايقة ظغت على باقي الأغاني.
هل انتشار أغاني الشوايقة في عهد الإنقاذ يعود إلى أن على عثمان محمد طه النائب الأول لرئيس جمهورية النظام المخلوع ينتمي لقبيلة الشوايقة؟
لا أتفق مع وجهة النظر هذه، فالإنقاذ لم يكن لها دور من قريب أو بعيد في انتشار أغاني الشوايقة، والانتشار الذي حققته تم من خلال اجتهاد خاص، وذلك بدليل أن على عثمان محمد طه لم يقدم الخدمات للولاية الشمالية نهائياً، وظلت الولاية تعاني من سوء الخدمات، وذلك بدليل انتشار (الحميات)، وما يدور في هذا الإطار لا أساس له من الصحة، فالشمالية عانت من التهميش، القهر والظلم منذ النظام البائد وإلى الآن، والولاية الشمالية إلى عهد قريب ينتشل سكانها المياه من الآبار ونهر النيل، بالإضافة إلى انعدام الكهرباء.
وماذا؟
بالنسبة إلى أغنية (الطمبور)، فهي لم تمثل السودان في المهرجانات الخارجية الأوروبية أو العربية أو الأفريقية، وهذا أن دل على شيء، فإنما يدل على أن وزارة الثقافة ليس من أولوياتها أغاني (الطمبور)، والتي لم تشارك في المهرجانات الأوروبية، العربية، والافريقية، ويشارك فيها شخصيات وفرقة موسيقية معينة، مما نتج عنه تذمر في دول الخليج للتجاهل الذي ظل يمارسه نظام الرئيس المخلوع عمر البشير على أغنيات (الطمبور)، وهاهو التجاهل الذي ظل مستمراً رغماً عن سقوط النظام البائد مع التأكيد أن أغنيات الطمبور مسيطرة على الحركة الفنية، وأي مشاركة لها تتم بمجهودات فردية، وليس بصورة رسمية، ولعل المشاركة الوحيدة الرسمية كانت في مهرجان فرنسا في ثمانينيات القرن الماضي للفنان الكبير محمد جبارة، وهذا يعود إلى غياب الكيان (نادي الطمبور)، وعدم إهتمام وزارة الثقافة به كسائر الفنون السودانية المتنوعة، بالإضافة إلى أن الفن عموماً ليس مقيماً في السودان، ودائما ما يكون آخر الاهتمامات، لذلك يفترض الالتفات إليه، وإنشاء صندوق لدعم الفنانين، الملحنين، الموسيقين والشعراء، فهنالك من لا يملك المال لشراء المأكل والمشرب، ومن يمرض منهم فإنه لا يملك المال لتلقي العلاج في حين نجد أن هنالك من يتكسب من أغنياته، مما يؤكد أنه ليس هنالك تقييم إلا في حال أن يرحل المبدع إلى الفانية.
ما رأيك في إدخال بعض الفنانات لآلة (الربابة) مع الآلات الحديثة؟
أغاني السيرة والعرضة تحتاج إلى آلة (الربابة)، وإذا تم الغناء وفقها أو بالاورغ، ولكن أغاني (الدليب) تغني فقط بآلة (الطمبور).
كيف تختار النص الذي يتوافق مع آلة الطمبور؟
أركز على الموضوعية في النص، أي أكون على إلمام بأنه سيصل إلى المتلقي باسهل طريقة، ومن تجربتي لاحظت أن الشعب السوداني يحب الحكمة في النص مثلا (لسان الحال غلب)، (العلم أتقدم) و(عليكم الله يا أحباب) وغيرها، وعليه فإن الحكمة في النص توصله للمستمع سريع جداً.
ماذا عن (مرام)؟
(مرام) أغنية تم إنتاجها بعد وقوع جريمة الإغتصاب والقتل البشع الذي لم يألفه الشعب السوداني قبلاً، وعندما سجلت الأغنية في العاصمة المصرية (القاهرة) طبعت شركة (شذروان) النص في كتيب، واهدته للمتلقي ضمن الألبوم الغنائي، وعندما طبعت استعنت بمصري، وكنت أقرأ له نص (مرام)، وهو يطبعه على الكمبيوتر، وأثناء ذلك توقف عن الطباعة، وجه لي سؤالاً هل هذه الجريمة في السودان؟ فقلت : نعم، فأردف : لا أصدق أن هذه الجريمة حدثت في السودان، فالنص ينطبق تماماً على على الواقع المصري، وهذا يؤكد أن جريمة إغتصاب ومقتل الطفلة (مرام) جريمة جديدة على الشعب السوداني، لذلك وجدت الأغنية قبولاً منقطع النظير وتضامنا بالإجماع من إنسان السودان شمالاً، جنوباً، شرقاً وغرباً، وبالتالي فإن أغنية (مرام) وصلت إلى الرأي العام بعد مخاض عسير، إذ أن الأستاذ حاتم حسن الدابي لحنها في أسبوع كامل، وذلك يعود إلى أنها مؤثرة جداً، ومن ثم ذهبنا إلى أسرة الطفلة (مرام)، وأخذنا منها الإذن لإنتاجها في الألبوم الغنائي.
ما هو مضمون أغنية (الرواسي)؟
الأغنية تترجم بصورة مباشرة (فساد) نظام الرئيس المخلوع عمر البشير، إذ قلت من خلالها (يا ريس فك الدفة وادها غيرك)، وهي الأغنية التي تم اعتقالي بسببها، وأجري معي جهاز الأمن والمخابرات الوطني تحقيقاً حول الأغنية التي توجه نقداً للنظام البائد وتخاطب الرئيس المعزول عمر البشير بشكل مباشرة، وعلى خلفية ذلك تم منع جميع أغنياتي من الأجهزة الإعلامية والالبومات الغنائية والحفلات الجماهيرية لسنوات وسنوات، وعندما أطلق سراح بعض الأغنيات فرضت على السلطات رقابة مشددة، ولم تكن تسمح لي بالغناء إلا في حيز ضيق، وهو الحيز، بالإضافة إلى أن جهاز الأمن والمخابرات الوطني يسجل كل أغنية أغنيها في هذا الحفل أو ذاك، ورغماً عن ذلك الحصار إلا أن الجمهور يطلب مني ترديد أغنية (الرواسي)، وبالتالي أصر جهاز الأمن والمخابرات الوطني بأن أكتب في إطارها تعهداً يؤكد عدم ترديدي لها مرة أخري إلا إنني رفضت كتابة التعهد حتي ولو تم إيقافي من الغناء نهائياً، وأصبح على ضوء ذلك يتعاقد معي بعض الساسة المعارضين لنظام الرئيس المخلوع عمر البشير لإحياء حفلات مناسباتهم الخاصة، ويطلبون من خلالها أغنية (الرواسي)، والتي ظلت على مدي ثلاث سنوات دون أن تتم إجازتها، وبدلاً من أن تذهب أغنياتي إلى المصنفات الأدبية والفنية للاجازة كان يتم وضعها أولاً على منضدة جهاز الأمن والمخابرات الوطني لكي يقرر فيها، ورغماً عن ذلك واصلت الغناء المناهض لنظام ثورة الإنقاذ، والذي غنيت في إطاره أغنية (الحاجة بخيتة)، وهي من الأغنيات الرمزية غير المباشرة.
من هو شاعر أغنية (الرواسي)، وماذا فعل معه جهاز الأمن والمخابرات الوطني؟
أغنية (الرواسي) من تأليف الشاعر حاتم حسن الدابي، والذي تم اعتقاله معي بسبب الأغنية، كما تم اعتقال الأستاذ بابكر حنين أيضاً باعتبار أنه الأمين العام للمصنفات الأدبية والفنية آنذاك، والاعتقال قائم على أساس أنه أجاز أغنية (الرواسي)، والاعتقال الذي تم مع ثلاثتنا كان بطلب من (على عثمان محمد طه) النائب الأول لرئيس الجمهورية المعزول، وطالب السلطات بإيقاف الألبوم وسحب الأغنية منه.
كيف تتعامل مع المعجبات إلا يسببن لك إشكالية مع زوجتك؟
معروف لدي أسرتي انني فنان، والفنان بطبيعة الحال لديه معجبين ومعجبات، وأتلقي منهم الكثير من الإتصالات للإستفسار عن أغنية، بالإضافة إلى أنني كثيراً ما أتصور معهم في مكان مختلفة، ولكن كل ذلك يتم في حدود الإعجاب بي كفنان، فأنا بقدر الإمكان أحاول أبعاد أسرتي من حياتي الفنية.
ما الموقف الخالد في ذاكرتك بسبب أغنية من أغانيك؟
من الموافق الراسخة في مخيلتي هو الموقف الذي حدث عقب طرحي لأغنية (الغلطان منو)، والتي يوجه من خلالها أحد الأبناء سؤالا حول انفصال والديه عن بعضهما البعض من هو (الغلطان)؟، وصادف أنني كنت في ذلك الوقت في طريقي إلى مدينة (المناقل)، فوقفت في شارع (مدني- الخرطوم) للاستراحة في إحدى الكافتيريات وارتشاف كوب (قهوة)، وأثناء جلوسي جاءت سيدة عابره، وهي تصطحب طفلتها التي قالت لها : (يا ماما داك جعفر السقيد)، فجاءت تلك نحوي السيدة، وسلمت على بحب كبير، وكانت تبكي بحرقة شديدة، فسألتها ماذا بك؟ فقالت : (زوجي طلقني قبل خمس سنوات، فتدخل الأهل، الجيران، الأصدقاء والاجاويد إلا أنه رفض رفضاً باتاً كل الوساطات، ولكن عندما سمع أغنية (الغلطان منو) عاد إلى أحضاني)، وهذا يؤكد تأكيداً جازماً أن الفن في المقام الأول والأخير رسالة سامية، ويعالج قضايا وإشكاليات في المجتمع.