قالت ذكرت شذى بلة، مديرة مكتب السودان بمركز المشروعات الدولية الخاصة، أن الحرب تركت تأثيرات كبيرة على كل قطاعات الاقتصاد السوداني، وهذا الأثر الكبير مستمر ويتضاعف يوميا في نواحيه السلبية منذ اندلاع الحرب في 15 أبريل. الاقتصاد السوداني كان يعاني أصلا منذ الانقلاب وحتى قبله. في الفترة الانتقالية كانت هناك محاولات للإصلاح الاقتصادي وحدث الانقلاب وتوقفت الكثير من مشروعات الإصلاح الاقتصادي. وتمضي الأستاذة شذى بلة قائلة جاءت الحرب وكان هناك انهيار متراكم ومن المتوقع أن يتواصل هذا الانهيار حتى وإن توقفت الحرب اليوم لأن الأثار السلبية للحرب ستبقى لفترات طويلة. هناك قضية هامة تتعلق بالجهات التي يمكن أن توفر المعلومات الصحيحة بالنظر إلى تعرض غالبيتها للانهيار مثل الجهاز القومي للإحصاء وبنك السودان، حتى الأفراد الذين كانوا يتابعون الأثر الاقتصادي للحرب من داخل السودان أصبحت لديهم مشاكل في الحصول على المعلومات. لكن ذلك لم يمنع ظهور بعض الدراسات عن أثر الحرب على النواحي الاقتصادية في الآونة الأخيرة.
وفيما إذا كانت هناك تقديرات لحجم الخسائر التي تعرض لها الاقتصاد السوداني، تجيب الأستاذة شذى بلة، مدير مكتب السودان بمركز المشروعات الدولية الخاصة، أن هناك تقديرات مصدرها المعهد الدولي لبحوث سياسات الأغذية بالتعاون مع المعونة الأمريكية والبنك الدولي وفيها إشارات لبعض الأرقام حيث وصلت تقديرات الخسائر إلى حوالي 15 مليار دولار في حال استمرار الحرب حتى نهاية العام الحالي وهو ما أصبح واقعا اليوم. هذا الرقم يعادل 48 في المائة من الناتج الإجمالي المحلي للسودان، ومنذ شهر يونيو الماضي وبعد شهر ونصف من اندلاع الحرب فقد السودان ما قيمته 5 مليار دولار من الناتج الإجمالي المحلي وكانت التوقعات أنه في حال استمرار الحرب حتى شهر سبتمبر ستفقد 5 مليار دولار أخرى وبنهاية العام سيصل الفاقد من الناتج المحلي إلى 15 مليار دولار. هناك نسبة تصل إلى 70 في المائة من القطاع الصناعي فقدت مدخلات الإنتاج وفقدت القوى العاملة وفقدت حتى الموانئ المصدرة والجالبة للمواد الخام نفسها بما فيها مطار الخرطوم. القسط الأكبر من الدمار طال القطاع الصناعي. القطاع الزراعي تأثر بصورة أقل لأن غالبية الأرضي الزراعية هي خارج ولاية الخرطوم وتقدر الخسارة في هذا القطاع بنسبة تصل إلى 20 في المائة حسب تقديرات المعهد الدولي لبحوث الأغذية. أما القطاع الخدمي فقد بلغت نسبة الخسائر فيه 50 في المائة تقريبا ومن المتوقع بنهاية العام الحالي أن يفقد 5 مليون شخص وظائفهم بسبب الحرب ومعظم هذه الوظائف في ولاية الخرطوم وبعض المناطق في إقليم دارفور. لكن الأرقام الحقيقية لخسائر الاقتصاد السوداني بسبب الحرب تفوق ذلك بكثير لأن 70 في المائة من الأنشطة تتم في قطاع الاقتصاد غير المنظم والذي يشمل الباعة في الشوارع، بائعات الأطعمة، بائعات الشاي، أي العمالة الغير منظمة والتي لا تعمل عبر شركات مسجلة وفي هذا القطاع حدثت خسائر كبيرة جدا. بالمقابل استطاعت الشركات الصغيرة تحمل تأثيرات الحرب بشكل أفضل من الشركات الكبيرة عبر نقل عملياتها لمناطق أخرى وباشرت عملها، لكن زحف الحرب نحو مناطق الجزيرة ومناطق النيل الأبيض والمناطق الآمنة خلال الثلاث أشهر الماضية سيدفع الأوضاع نحو التفاقم ولذلك قناعتي أن الأرقام الحقيقية تفوق الأرقام المذكورة بكثير.
عمليات التصدير والاستيراد تأثرت بدورها بشكل كبير وفق ما تقوله الأستاذة شذى بلة، مثلا صادر الثروة الحيوانية يمر عبر طريق الصحراء ويتسبب ذلك في فقدان جزء من هذا الصادر في الطريق بسبب غياب البنى التحتية والطرق الممهدة وخطوط السكة حديد مما يصعب تصدير الحيوانات الحية. بالنسبة للحوم المذبوحة فقد تأثرت بشكل أكبر لأن المذابح توقفت وهناك مذابح صغيرة تعمل حاليا في الولاية الشمالية وبسعة ضئيلة. ميناء بورتسودان أصبح يستورد أكثر مما يصدر وهناك دراسة صادرة عن منظمة “أثر” عن حركة الوارد والصادر عبر ميناء بورتسودان تشير إلى أن معظم الواردات هي الوقود وبعد توقف الصناعة تماما في السودان يتم استيراد كل شيء من الخارج من زجاجة الماء وحتى الشاي والقهوة. كما زادت الحركة التجارية بين السودان ومصر من ناحية البضائع القادمة من مصر بالرغم من المشاكل حيث شاهدت بأم عيني قبل يومين الشاحنات المتكدسة في المعبر منذ شهور وهناك مشاكل كبيرة تجري محاولات لحلها. كان لابد من اللجوء للاستيراد من الخارج لمقابلة احتياجات السودانيين في المناطق الآمنة والساعين للحصول على المياه والدقيق والشاي والسكر وغيرها من الاحتياجات. يقود ذلك بالطبع إلى ندرة، كما أن توغل الحرب في مناطق جديدة سيؤدي لصعوبة إيصال المنتجات المستوردة لمن يحتاجونها. على سبيل المثال البضائع التي كانت تصل إلى ود مدني لن يكون ممكنا إيصالها بعد ما شهدته المدينة الأسبوع الماضي.
وحول تراجع القدرة الشرائية للمواطن، ذكرت الأستاذة شذى بلة أن غالبية السودانيين يعتمدون في الوقت الحالي على مدخراتهم في فترة ما قبل الحرب، لكن هذه المدخرات يمكن أن تنفذ في أي وقت. لكن هناك نشاط تجاري يقوم حول الحرب وهذا يحدث في أي مكان في العالم. فبعد اندلاع الحرب واستمرارها لفترة يحتاج الناس للبحث عن سبل لمواصلة معيشتهم، يضاف إلى ذلك اقتصاد الحرب المرتبط بالحرب نفسها عبر مد الطرفين المتنازعين بالمواد التموينية وكل الاحتياجات التي تسمح لهم بمواصلة المعارك. هناك أنشطة لم تتأثر كثيرا بالحرب مثل أنشطة التعدين وهي أنشطة كبيرة الحجم في السودان. يضاف إلى ذلك أنشطة التهريب من بعض الدول المجاورة والتي تتواصل للالتفاف على دفع الرسوم الجمركية والضرائب. تراجع القدرة الشرائية وانخفاض الدخول بنسبة 50 في المائة، قاد إلى انضمام 2 مليون سوداني منذ بداية الحرب لحوالي 26 مليون سوداني آخرين يعيشون تحت خط الفقر منذ العام 2019 حسب تقارير بنك السودان مع تزايد يومي لأعدادهم بسبب النزوح والتشرد. لكن يمكن القول إنه بالرغم من تراجع القدرة الشرائية وهو أمر متوقع، لكن سيستمر النشاط التجاري الضئيل المصاحب للحرب وربما يجد الناس قدرة على الالتفاف على المشاكل المرتبطة بالحرب في ابتداع وسائل مثل الشراكات والعمل المبني على المبادلة، استخدام عملات من دول أخرى مع بدء انهيار العملة السودانية وقد شهدنا ذلك في حروبات أخرى حيث استخدمت العملات الاريتيرية والأثيوبية والتشادية للتبادل التجاري لأن العملة السودانية تصبح بلا قيمة وتتراجع قيمتها بشكل كبير ويصعب الحصول حتى على العملة الورقية. وتوقعت الأستاذة شذى بلة أن تحدث كارثة لو توقف تطبيق بنكك حيث لا توجد سيولة نقدية للتداول ما يدفع الجميع لاستخدام تطبيق بنكك في غياب أي طباعة للعملة