بطاقة تعريفية بكتاب «جرعتان والبقية تفاصيل» للقاص “محمد علي الصمادي”. الأردنّ- بقلم : الروائيّ محمد فتحي المقداد
صدر حديثًا كتاب “جرعتان والبقية تفاصيل” للقاصّ “محمد علي الصمادي”، وهو عبارة عن مجموعة للقصّة القصيرة، التي احتوت على مجموعة من النّصوص المُتراوحة بين الطُّول والقِصَر.
وعنوان النصّ الأوّل اتّخذت منه المجموعة بأكملها عنوانًا لها، وبالتوقّف مع هذه الجُملة الاسميّة ذات الكلمات الثلاث يتوسّطها حرف الواو، جاءت كلمة “جرعتان” كمبتدأ تلاها حرف عطف، ليعطف عليها جملة أخرى مرتبطة بها “والبقية تفاصيل”؛ فالجُملتان تُشكّلان مدلولًا موضوعيًّا، ومفتاحًا للدّخول إلى رحابه؛ لتنفتح شهيّة التأويلات والاحتمالات المعقولة وغير المعقولة.
إشكاليّة العنوان مثيرة للوهلة الأولى؛ فعندما يطمئنّ القارئ إلى أنّه فهم المقصود والمدلول؛ ليُفاجَأ بكتلة ضخمة من فسيفساء مُنتمية لتفاصيل متنوّعة، وردت من شتّى شؤون الواقع، بطريقة مباشرة، تلك التقنية الممزوجة مع الرمزيّة الدلاليّة على مشهديّات خفيّة تُفهَم من خلال السّرد القصصيّ، وقد استخدمها القاصّ “محمد الصمادي”، لتسطير رُؤاه وملاحظاته النّاقدة.
لوحات التشكيل القصصي هي بناء لا تختلف مثلما هي عند الفنانين التشكيليين، للتقريب والتشبيه مع ملاحظة اختلاف الحالتين. هذا يكتب بالقلم وذاك يرسم بريشته ألوانًا مختلفة تتوافق وتتنافر، لكنها في النهاية تكوينًا ذي محتوى، والنص القصصي عند “محمد الصمادي” عبارة عن التقاطات قافزة فوق الزمان والمكان، حتى يمكن تعميم ذلك على جميع نصوص المجموعة، لتكون سِمَة وطريقة اتّخذها الكاتب أسلوبًا له.
هذا القفز المُتوثّب بفرط حركته داخل نصوص المجموعة، مرهق للقارئ. مُوهِنٌ لأنفاسه. ربما حالة القلق الإبداعي عند الكاتب، لتبدو كتابته حاملة لهمومه، قلقة بأفكاره، ومرّة خائفة، وضاحكة، وباكية، ولامبالية، وفوضويّة، ومستقيمة، ومُجدّفة عكس التيّار. هذه المعاني المُستقاة من مطالعة نصوص المجموعة، جاءت العبارة الثانية من العنوان “البقية تفاصيل”، وفي التفاصيل يكمن الهدف، والدرس، والرسالة، وذلك من انعكاسات دواخل نفس “محمد الصمادي” على مفرداته وجمله ونصوصه، ليغطي صورة كاملة واضحة يمعالمها الشخصية والنفسية والروحية للكاتب.
وفي اختيار العبارة التي جاءت على الغلاف الخلفية، يتضح شيئا من التماعات المعاني السابقة: “«نَعَمْ وَكَيْف أكُون سَلِيْمَا فِي عَالَمَ الْعَيْشَ فِيْهِ مَرَضٌ؟. لَدَي أَمْرَاض كَثِيرُة يَصْعُب عَلَيَّ حَصْرُهَا فَأَنَا مَرِيض بالخوف والأمل، مَريض بِالْمَحَبَّة، مريض بِالْقِرَاءَة وَالْكِتَابَة، مَرِيض بِالْفَقْرِ، مَرِيْضِ بِالزَّائِدَةَ الدُّوَدِيَّة فِي زَمَن تَنْخَر فِيْهِ الْذِيْدَانِ كُل الْعَلاقات الإِنسَانَية». هذه العبارة بمثابة عتبة المجموعة القصصية بأكملها، ولتكتمل رسالة الكاتب إلى قارئه.
وفي تقديمه للكتاب ذكر الأستاذ “أحمد شطناوي” قريبًا من المعاني السابقة:« جرعتان والبقية تفاصيل هذه المجموعة القصصية التي عنونها الصمادي بعنوان أغفل فيه كل التفاصيل ولم يُقِم لها وزنًا، لكن المبحر بين نصوص هذه المجموعة القصصية حتما سيكتشف أنه قد أوغل بالتفاصيل ولكن بمشهد قصصي لا يتبع لمنظومة متتالية الأحداث، إذ أنه جعل التفاصيل هامشًا ومَتْنًا بنفس الوقت، فتراه يضع تلك التفاصيل في غير المكان الذي يجب أن تذكر فيه، وهذا الأسلوب الما بعد حداثي الذي طرقه الصّمادي في سرده، ورد بطريقة عبثيّة منتظمة».
لمن لا يعرف “محمد الصمادي”، فقد انعكست هوايته بالتصوير الضوئي على طريقة رؤيته لمحيطه يلتقط جزئياته ودقائق الأشياء بعين المُصور، لينقل الحدث بعين كاتب وأديب. امتزاج برؤيتين متوافقتين أنتجتا لونًا قصصيًا ساحرًا مُحرضًا للقارئ على التتبّع والملاحظة والتدقيق، وتجبر القارئ للسير على نهج الكاتب الذي نجح في جرّ القارئ معه إلى نفس المركب، ليتشاركا الغرق الاستغراق.
ستة عشر نصًا شكلت محتويات المجموعة، الواقع ومشكلاته، المرأة والرجل، الحياة والحب، والكره والمودّة، والظلم والعدالة، الممكن وغير الممكن، الجمال والقبح، الفرح والحزن. تآلفت هذه الخطوط العامة لتشكل منظومة قصصية تَعنونَت: ب”جرعتان والبقية تفاصيل” وفي التفاصيل، لتنفتح شهية الكلام والتأويل.
إربد. الأردن
14/ 1/ 2023