
حين انتهيت من قراءة رواية “مراكب الكريستال” للأديب الإرتري أبو بكر حامد كهال، تأكد لي ما استقر عند أكثر النقاد المعاصرين، من أن الرواية، من بين الفنون الأدبية كلِّها، تبدو جنسًا أدبيًّا مراوغًا، شكلًا ومضمونًا، فليس لها إطار محدَّد، ولا قواعد ثابتة، ولا يمكن أن نحصر أشكالَها أو نستقصيَ موضوعاتها؛ فكاتبها يسرد الأحداث دون أن يقيده الزمان ولا المكان، ودون أن تحدَّه ضوابطُ الطول أو القِصَر، كما أنه ليس مقيَّد اليدين إزاء الوصف والاستطراد وعدد الشخصيات، وهو ما نجده بتمامه في هذه الرواية.
تقع “مراكب الكريستال” في أقل من سبعين صفحةً من القطع المتوسط،، تُقرَأُ كاملةً في جلسةٍ واحدة. وهو ما يجعلها، من حيث الحجم على الأقل، رواية قصيرة Novelette، وهي قصة سردية نثرية، أطول من القصة القصيرة وأقصر من الرواية الطويلة. جاءت وكأنما كُتبت دفعةً واحدة، غير مقسمة على فصول، ولعل هذا ما جعلها تركز على حدثٍ واحد، وفكرة واحدة، وموضوع محدَّد، وتعتمد على عددٍ محدودٍ من الشخصيات الرئيسية، وعددٍ قليلٍ من الشخصيات الثانوية. لكنها تترك انطباعًا قويًّا لدى القارئ، تمامًا مثلما تمثل همًّا مورِّقًا في ضمير الكاتب.
• رواياتٌ أخرى للمؤلف:
ولا أدري لماذا أحسُّ أن الأستاذ أبو بكر كهال على عجلة من أمره فيما يخرج لنا من قصص وروايات؛ ويبدو كأنما أحدٌ يلاحقه وهو يكتب؛ بداية من روايته الأولى “رائحة السلاح”، 95 صفحة، وانتهاءً بروايته الأخيرة التي نعرض لها، 60 صفحة، مرورًا برواياته: ” بركنتيا: أرض المرأة الحكيمة”، 195 صفحة، و”تيتانيكات أفريقية” 122 صفحة، و”في بلاد البونت”، 170 صفحة. وهو ما يفسر لنا ظاهرة تكرار الموضوع الواحد، أو الإلحاح على الفكرة النمطية؛ وكأنه لم يقل كلَّ ما عنده في العمل الأول، فأكمله وفصله فيما تلاه من أعمال. وقد يبرر ذلك حياة المؤلف القلقة المتوترة، وهي حاضرةٌ في كل ما كتب؛ وكأنما أدبه ترجمة ذاتية له، حيث لا يجد من هدوء الخاطر واستقرار الحال ما يتيح له أن يكتب روايةً طويلة يبوح فيها بكل ما لديه، ثم يفرغ من بعدها لموضوعات أخرى وأفكارٍ جديدة. وإن كان هذا لا يعني بداهةً أنه لم يأتِ لنا في كل مرةٍ بشيءٍ جميلٍ ومختلف، لا يضيف إلى إنتاجه هو فحسب؛ بل يضيف إلى الإبداع الروائي الأصيل في قارتنا السمراء وأدبها المكتوب باللغة العربية
• شيءٌ عن المؤلف:
والرجل مثلما قرأت عنه أحدُ رموز النضال الإرتري المعاصر؛ وهو امتدادٌ لذلك الجيل الذي ناضل بالسلاح قبل القلم، وأنكر ذاته من أجل تحرير وطنه، ومثَّل هو ورفاقه حلقة وصْلٍ بين الجيل الأول من أدباء الثورة، الذي تقدمه الأستاذ محمد سعيد ناود، والجيل الحالي الذي يعد هو من أبرز رموزه، حيث لم تهزمهم غطرسة العدو، ولا مواجع الهجرة، ولا مرارة اللجوء، ولا قسوة الغربة.
ولد سنة 1961، وتأثر كثيرًا بالحرب، وتعبَّأت ذاكرة طفولته بالأحداث والمعارك والضحايا والشهداء والحرائق، وظهر أثر كل ذلك جليًّا في قصصه ورواياته. وهو يعيش الآن بعيدًا عن وطنه؛ مهاجرًا شبه منفي؛ تأكله الغربة الضارية، ويدفع من دمه ودموعه كل صباحٍ ثمنَها الباهظَ وضريبتها الفادحة، ويحاول أن يهدهدها بالشعر والكتابة والسفر، وينتظر في لهفة الطفل أن يعود إلى والدته المسنة التي ترتقب عودته لتضمه إلى صدرها، بعد أن هدَّته الغربة فصار مثل بيتٍ قديمٍ متداعٍ تناوبت عليه الحوادث والزلازل. وهو ما نحس به من خلال قراءتنا لرواية “مراكب الكريستال”.
• الراوي/البطل:
يبدو بطل هذه الرواية، أو كاتبها إذا شئت، كأنه مجردُ شاهدٍ على الأحداث، وإن كان طرفًا أصيلًا فيها، أو راوٍ للقصة، وأن كان أحدَ أبرز شخوصها. جاءت الرواية على لسانه بضمير المتكلم من أول جملةٍ فيها: “هل أنا أحبُّ أسمرا؟ نعم أحبُّ هذه المدينة المهدَّدة بالعطش وبالحروب. أحبها رغم كل شيء”، إلى آخر فِقرةٍ وهو يقص علينا كيف انتهت به رحلته المثيرة الموجعة بعيدًا جدًّا مدينته الضيقة االصغيرة، التي يغتالون شبابها بالتهجير وباختراع الحروب مع كل جيران البلاد، فتخلخلَ فيها كل شيء، وبات الصمتُ يغلِّفُ أحياءَها، ولم يعُد أحدٌ يستطيعُ العيشَ فيها إلا إذا استبدل بقلبه حجرًا.
• لماذا يهاجرون؟:
والرواية في مجملها تعالج مشكلة الجيل الذي نشأ بعد نضال الإرتريين المرير لينالوا حريتهم واستقلالهم، وثورتهم الدامية التي انتهت بجلاء المستعمر عن بلادهم، ثم خاب أملهم حين تحطمت أحلامهم على صخرة الواقع المزعج الذي فرض عليهم حاكمًا مستبدًّا، تعينه جهاتٌ مشبوهة ودولٌ لها أطماعها ومصالحها، الخفية والمعلنة، فجعل من البلاد سجنًا كبيرًا، لا مكان فيه لحرية الرأي ولا حتى لحرية الحركة، حتى صار الناس يتواصون بالفرار والهجرة، ويهمس بعضهم لبعض: “اترك ما أنت فيه واهرب”، وأصبحت فكرة الهجرة إلى أوربا، أو أي مكانٍ آخر غيرها، تأسر أكثر الشباب بشدة عندما يتفجر في نفوسهم حلم الحرية، فيكرهون حتى أَسِرَّتهم.
وهي تحكي لنا بشيء من التفصيل المثير الموجع، طرفًا من الأهوال المؤلمة التي يلاقيها هؤلاء الذين قرروا في لحظة من الضيق والاختناق أن يتركوا وطنهم الذي لم يعد صالحًا للبقاء فيه، وباتت أمنية الكثيرين من أبنائه أن يجدوا مُهرِّبًا يساعدهم على الفرار ويعينهم على الهجرة، وهو ما تفسره لنا عبارةُ العم (سلمون) “إن البلد سيفرغ من الشباب غذا ما استمرَّ النظام على نهجه العقيمِ هذا”.
• وصفُ الهجرة:
وتوشك الرواية أن يستغرقها وصف الهجرة من الوطن: كيف تبدأ حلمًا وخاطرًا، وكيف تنتهي حقيقةً وواقعًا، كيف يخطط من يريد الهجرة لرحلته المحفوفة بالمخاطر والمهالك، وكيف يغامر بحياته من أجل أن يشم نسيم الحرية بعيدًا عن تلك الحكومة الباطشة التي تسخر الشباب في خدمة عسكرية طويلة وقاسية، قد تستمر لسنواتٍ طويلةٍ دون أن يعرف أحدٌ متى تنتهي، تجبرهم فيها على ما لا يريدونه ولا يرضونه، وتنكل بكل صوت يعارضها أو يناقش سياستها المستبدة، حتى لو كان ذلك بمقال أو قصة؛ وهو ما حدث لبطل الرواية الذي سماه المؤلف “علي فكاك”، فسجن بضع سنوات بسبب روايته الممنوعة “رائحة السلاح”، وهي اسم الرواية الأولى للأستاذ كهال نفسه.
• شخصياتٌ أخرى:
ونعرف من الرواية أنه لن يهاجر وحده؛ فهنالك مئاتٌ، بل آلافٌ، من أمثاله يتذمرون من العيش في هذا البلد الذي خيب كل آمالهم في العيش الآمن المستقر، وسوف يخص الكاتب منهم بعضًا ممن يعرفهم، أو تربطه بهم صلات قديمة؛ فهناك (سليم) رفيق السلاح والمعتقل، الذي قضى معه البطل في السجن أربع سنوات، و(آدم حرابسو) أخوه في الرضاعة، وابن قريته “كرفوف”، وجاره في السكن، الذي كان يعيش متخفيًّا لينجو بنفسه من أجهزة لاستخبارات التي كانت تلاحقه بسبب تمرده ونشاطه السياسي وتوزيعه للمنشورات السرية المناهضة للحكومة. فقرر (علي) أن يتكفل بكل النفقات التي تلزمه ليهاجر معه.
وهناك أيضًا السيد (سلمون المحاري)، وهو شخصٌ خمسيني، لم يسبق له أن احتاج خدمةً من الدولة طول حياته، وكانت قناعته أن الرجل الذي ساقته الظروف إلى الغربة ، يتبقى عليه عندما يموت أن يؤتى به ليُدفن في أرض أجداده، ولذلك تراه يسعى جاهدًا لاستعادة رفات ابنه الجميل الحنون المغدور من صحراء سيناء، لدفن ما سيعثر عليه من عظامٍ في تلك البيداء. وكم كان حديث (سلمون) موجعًا وهو يحكي أنه دفع لخاطفيه عشرين ألف دولار فديةً حسب طلبهم، ورغم ذلك قتلوه طمعًا في أعضائه.. كان موثَقًا بالسلاسل الحديدية قبل أن يرسل لهم الفدية، كانوا يعذبونه كل ساعة، ويذيبون البلاستيك الحار على جسده ويتعمدون إسماع أبيه صراخه. “لقد رمَوا جثته في العراء، إلى أن وجده ناسٌ خيِّرون، وعندما فتشوه وجدوا ورقةً بها رقم هاتفي. لقد دفنوه هناك في قبرٍ معروفٍ بدون كليتيه؛ أنا على تواصلٍ معهم، وأخبرتهم أنني سآتي إلى سيناء لآخذَ رفات ولدي”.
• والمرأة أيضًا تهاجر:
ولست هنا لأعدِّدَ شخصيات الرواية، أو أحصي الذين هاجروا مع (علي)، ولكنني أحب أن أتوقف قليلًا عند شخصية نسائية، هي الأبرز في الرواية، ولعل الكاتب جعل منها رمزًا للمناضلات الإرتريات اللواتي لم يخفن من ظلم الحاكم وتجبره، وواجهن مصيرهن بشجاعة، وتحملن في سبيل وطنهن ما يعجز كثير من الرجال عن حمله. إنها (صالحة)، تلك المرأة التي ظُلمت كثيرًا، وسُجنت سبعة أعوامٍ بغير وجه حق، وحين خرجت كان من رأيها “أن البلاد كلها سجنٌ كبير”. كانت تعمل في حراسة السجن، واتهموها بإفشاء أسرار السجناء لذويهم، وبأنها تنتمي إلى حزبٍ سريٍّ يطبع المنشورات ويوزعها، وحين أنكرت التهمة عذبوها عذابًا نُكرًا، جسديًّا ومعنويًّا، لكنها صبرت على ذلك كله بجلدٍ منقطع النظير، ولم تعترف على من معها.
• مهالكُ وأخطار:
كان من المهاجرين رجالٌ ونساء، أصحاء ومرضى، شيوخ وشبَّان، أغنياء وفقراء، لكنهم جميعًا يشتركون في شيءٍ واحد: وهو أن هذا الوطن لم يعد آمنًا، وأن “الحل هو سقوط الطاغية. بس”. ولم تكن هجرتهم رحلةً ترفيهية، ولا مغامرة بحرية أو برية، لقد كانت مخاطرةً تشبه الانتحار، تعرضوا فيها لأهوالٍ يعجز القلم عن وصفها، أهونها النهب والسرقة، ولعل ما أوجعني منها هو مصير المجموعة التي قررت أن تهاجر إلى إسرائيل، نعم إسرائيل، تلك التي لا ترحب أبدًا بالأفارقة، وكأنهم يستجيرون من الرمضاء بالنار، “بعد أربعة أيام غادرت مجموعة إسرائيل وضمنهم العم سلمون.. لقد ودعناه أنا وصالحة وداعًا حارًّا. وللأسف كانت القافلة التي تتكون من تسع سيارات لاندكروزر تراجيدية، تمَّ قصفُها من قِبَلِ إسرائيل بصواريخ جو أرض؛ لأنها تحمل إلى جانب المهاجرين أسلحةً لحركة حماس بغزة. لقد مات معظم من بالقافلة، وضمنهم العم سلمون، في حين واصل من نجا السيرَ على الأقدام عبر طريق القوافل القديم المندفع في متاهة الصخور الصمَّاء بمحاذاة جبال البحر الأحمر”.
كان ذلك مصير الذين يخشون ركوب البحر، ويخافون من فواجع “مراكب الكريستال”. أمَّا الذين خاطروا بأنفسهم ليغامروا وسط الأمواج المضطربة فلم يكونوا أحسن حظًّأ دائمًا؛ فكثيرون منهم ابتلعهم جوف البحر بلا رحمة، وتحققت فيهم نبوءة إحدى العرافات: “لن ينجوَ الكثيرُ من هؤلاء”. وهو ما يصفه المؤلف بقوله: “في ليلة الانطلاق أبحروا في قارب الفايبر جلاس بحمولةٍ لا تُصدَّق.. وبعد أن أبحروا لمدة عشرين ساعةً ضُرِبَ المحرِّكُ واشتعلت فيه النار.. مع حلول الصباح ارتفع الموج، وكان يكشح الماء داخل أرضية القارب، لقد كافح الجميع الماء المالح بنزحه إلى الخارج بالأواني المتوافرة.
في اليوم الخامس نفد الماء والتمر، وبدأت حالات الإغماء والانهيارات العصبية؛ البعض شرب بَولَه الأخفَّ ملوحةً من ماء البحر. ومع اضمحلال الأمل في وصول أي نجدةٍ بدأت التفلُّتات. في اليوم العاشر مات أولُ ضحية، ثم تبعه في اليوم الرابع عشر ضحيتان، وهكذا مع كل صباحٍ أصبح الضحايا يتوالَون.. كانت الأمواج تلعب بالقارب وتهزه هزَّاتٍ عنيفة.
في اليوم الخامس عشر مات نصف الركاب، وكانوا يرمون جثثهم في البحر، وكانت تطفو قرب القارب. لقد أكل ملح الأمواج التي كان يكشحها الموج إلى داخل القارب أجسادَهم وملأها بالتسلخات، كانت النوارس الجائعةُ تحلق فوق القارب ظنًّا منها أنهم صيادو سمك، وتريد أن تأخذَ نصيبَها. كان آدم (الذي نجا من الموت بأعجوبة) يهتف بها أحيانًا: حلِّقي بعيدًا أيتها النوارس، لا يوجَدُ هنا شيءٌ غير الموت؛ الجثث”.
إن طريق الهجرة لم يكن سهلًا ولا ممهدًا؛ بل كان مليئًا بالعقبات والأشواك، ومن الحماقة أن تنتظر من البلاد التي ستهاجر إليها أن تستقبلك بالورود، وسوف يفهم القارئ قبيل آخر الرواية تلك العبارة التي جاءت في أولها: “يتحتم عليك تخزين المزيد من الشحوم في الجسد.. إن الطريقَ سينتزع تلك الشحوم بسهولة، ولو قُدِّرَ لك أن تصلَ إلى هناك فسوف تصل مثل بروة الصابونة، أو مثل تلك الشجَيرةِ التي نُزِعَ عنها اللحاء فوقفت ضعيفةً وعارية”.
وعلى قريبٍ من مثل تلك الهيئة وصل (عليٌّ) إلى نهاية رحلته، وسمع بعد صراع طويل مع الشدائد والمكاره عبارةً طال انتظارُه لها، وكانت هي آخر عبارة في الرواية: “تفضَّل.. هذه وثيقة سفر دنماركية وبطاقة السفر.. رحلتك ستكون مساء بعد الغد.. ستوصلكم المطار أنت ومن معك من المقبولين بألمانيا وهولندا سيارةُ المنظمة”.
• ملاحظاتٌ عابرة:
ولا أدَّعي بعد هذه السطور العجلَى أنني أوجزت الرواية واختصرت حوادثها؛ فهذا ما لم أقصد إليه منذ البداية. كل ما أردته هو أن أمهد للقارئ طريق مطالعتها، وأن ألقي له ضوءًا كاشفًا يعينه على تلمس تفاصيلها ومعرفة أجوائها. وإن كنت ألاحظ أن الأستاذَ المؤلفَ لم يتعمق كثيرًا في رسم شخصياته، ولم يتوغل بنا في عالمها النفسي الداخلي؛ فجاءت في معظمها شخصيات استاتيكية (ساكنة)، لا تنمو ولا تتطور، يُعنَى الكاتبُ بظاهرها أكثر من عنايته بباطنها. كما ألاحظ أيضًا أن الحوار في الرواية كان محدودًا، ويمزج أحيانًا بين الفصحى والعامية، وطغى السرد على أكثر صفحاتها، مع شيءٍ قليل من وصف الأماكن أو الشخصيات، ولم تعجبني كثيرًا بعض الإيحاءات الجنسية المباشرة، التي ربما كان لها ما يبررها في سياقها، ولا وصفه المطول لعملية ولادة العمة حليمة لابنها آدم الذي لم أفهم منه غير أنه تمهيدٌ لموتها أثناء هذه العملية. وكنت أتمنى أن تكون لغته أكثر أناقةً وتفنُّنًا، وإن كنت أراها، رغم ذلك، أفضلَ من لغة كثيرين ممن يملأون الساحة بضجيجهم الأجوف وعجيجهم الطنان.
• سؤالٌ في الختام:
أمَّا السؤال الأكبر الذي ألحَّ عليَّ من أوَّلِ الرواية إلى نهايتها فهو: هل تستحق الهجرة كل هذا الثمن؟ وهل من المقبول أو المعقول أن نترك أوطاننا لأننا ضقنا بالحياة فيها أو ضاقت هي بنا؟ وهل وجد المهاجرون، اضطرارًا أو اختيارًا، في بلاد غربتهم ومنافيهم البعيدة، ما كانوا يحلمون به من حرية وأمان؟ وهل عوضهم الثراء الحادث وسعة العيش عن أوطانهم التي ولِدوا فيها وتربَّوا فوق ترابها وتركوا فيها ذكرياتهم وأهليهم؟ ألم يندموا لأنهم تركوها تواجه مصيرها بنفسها، بينما هم في بلادٍ غريبةٍ يعيشون مواطنين من الدرجة الثانية أو الثالثة؟!
هذا ما لم تقله الروايةُ تصريحًا، ولم تعرِض لبعضِه إلا تلميحًا، وهو ما أنتظر من المؤلِّف المبدع أن يعالجه في رواياته القادمة إن شاء الله، وإني لها لَمِن المنتظرين !