مقالات

النور مساعد يكتب : رصاص الفرح.. حينما تتحول الزغاريد إلى صرخات ألم في بيوت السودانيين

في السودان، لم تعد “الأفراح” آمنة. لم تعد الزغاريد وحدها تعلو، بل صارت تنافسها طلقات الرصاص العشوائي، التي كثيرًا ما تنتهي بقتل الأبرياء. رصاص الفرح، الظاهرة التي ما تزال تحصد الأرواح في صمتٍ مُخزٍ، تسببت خلال شهرٍ واحد في مآسٍ متفرقة هزّت المجتمع السوداني من شرقه إلى غربه.

في أم درمان، لقيت سيدة مصرعها داخل منزل ابنها أثناء مراسم عقد قرانه، بعد أن أصابها طلق ناري طائش أطلقه أحد المعازيم “احتفالًا”. وفي القضارف، كان شاب في ريعان العمر ضحية لرصاصة فرح، سبقه إليها شاب آخر في الدويم. سلسلة من الفواجع التي تتكرر وكأنها أصبحت جزءًا من مشهد الفرح السوداني، مع أنها في حقيقتها طقوس موت متكررة.

المقلق أن بعض منسوبي القوات النظامية أنفسهم يشاركون أحيانًا في إطلاق الرصاص خلال المناسبات الاجتماعية، تعبيرًا عن مشاركتهم لزملائهم أو أصدقائهم، في تجاوز خطير للدور المفترض أن يكونوا فيه حماةً للأمن وضابطين للسلاح، لا جزءًا من فوضاه.

هذه الحوادث ليست حوادث فردية معزولة، بل هي مؤشر خطير على انتشار السلاح، وضعف القوانين، وانعدام الردع، وتراجع الحس المجتمعي بخطورة ما يجري. ويكاد لا يمر أسبوع دون تسجيل حادثة مشابهة تخلّف وراءها جثثًا، وجراحًا، وآهات أسر مكلومة.

المطلوب اليوم ليس فقط التنديد أو الحزن، بل تحرّك عاجل من الجهات المختصة:

إصدار قوانين حازمة تُجرّم استخدام السلاح في المناسبات وتُغلّظ العقوبات.

سحب السلاح من أيدي المدنيين ومراجعة التراخيص.

محاسبة أي نظامي يشارك في إطلاق النار خارج نطاق القانون، ليكون عبرة لغيره.

حملات توعية شعبية ومجتمعية وإعلامية لتغيير المفاهيم حول “فرح السلاح”.

لقد آن الأوان لنفهم أن الفرح لا يُعبّر عنه بالسلاح، وأن الطلقات الطائشة لا تصنع بهجة، بل قبورًا. وأن وطنًا يسكنه الموت في أفراحه، لا بد أن يراجع ضميره قبل قانونه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى