تجربة الشاعرة آمنة نوري من التجارب التي تستوقفني كثيرا وتبهرني بتفردها خاصة فيما يتعلق بالبناء الشعري الذي يعد بناءً محكماً ومتماسكاً فهي كشاعرة تمتلك خاصية فريدة في صياغة الشعر بلغة يمكن ان نطلق عليها السهل الممتنع لغة تعبر عن حس شفيف وعاطفية جياشة وتفاعل مع الحدث بصدق متناه من خلال مضامين عميقة تبرز خصوصيتها كشاعرة متميزة ومجيدة
شكل القصيدة عندها يأخذ عدة اتجاهات، ففي الشعر الفصيح كتبت على نسق الشعر الحر والمرسل الذي لا يلتزم التزاماً صارماً بالقافية وفي الشعر العامي اخذت ذات القوالب واستفاد من مضامين شعبية وقد برعت في هذا النمط وتعتبر احد اهم المجددين فيه اما المضمون عندها فقد تعددت اغراضه ولكن محور القيم والعاطفة كان هو المسيطر فالقصيدة عندها امر لا يؤخذ للمتعة وانما ذات هدف ورسالة فسبرت اغوار الواقع وتحدثت بكل جراءة
وفي منحى اخر منحت امنة اشعارها بعداً رومانسياً شفيفاً صورت من خلاله الطبيعة ودورها في تصميم الطبيعة لا يقف عند النقل الحرفي لها ولكنه تعدى ذلك الى تجميلها وتحسينها وعلى هذا يبدو جمال الطبيعة في شعر ها اجمل ما هو عليه في الواقع الملموس وتصوير الطبيعة لم يتوقف عند مظاهرها الخارجية ولكنه تعدى ذلك الى اسرارها الدفينة من خلال رؤيتها لها بمنظار طبعها وحسها المستغرق الذي يأخذك لترى الاشياء اضعافاً مضاعفة وتصورها بألأوان ساطعة وحلي مؤثرة تفوق الحقائق من خلال قريحة قادرة على خلق الالوان النفسية التي تصيغ كل شيء وتلونه لإظهار حقائق ودقائق يجري مجراها في النفس.
كما عبرت عن الثورة بشكل مدهش مبينة ما يجيش في دواخلها من احاسيس وأشواق تداعب مخيلتها في جنح الليل.
وآمنة كما اسلفنا متعدد الاغراض وارتدت الكثير من الثياب وفق ما يقتضيه الموقف الذي يحرك إلهامها الشعري بوعي وإدراك وايمانها بمسؤوليتها اتجاه المجتمع المحيط من حولها عند الضيق لسان قومها وعند الفاقة والترف عاشقة ولهة والتعدد في الاغراض جعل من اشعارها حديقة متعددة الازاهر والورود
تميز شعرها بالحس الدرامي بكل عناصر الدراما المعروفة وإذا توقفنا في قصيدتها (شكل مختلف ) نجد أن البعد الدرامي يسيطر على هذا العمل المتميز ومن المعروف أن هنالك عناصر لابد أن تتوفر في النص الدرامي وهي البناء الدرامي والعقدة وإضافة لعناصر التشويق والإثارة وعنصر المفاجأة وإذا تأملنا تجربة امنة نجد أن هذه العناصر توفرت تماماً في أعمالها الشعرية وأجاد فيها بدرجة بعيدة .. ففي مطلع قصيدتها مهدت تمهيداً رائعاً لأحداث ستتناولها والتمهيد نوع من الحرفية المستخدمة في الكتابة الدرامية وتأتي أهميته لتهيئة المستمع او المشاهد لوقع حدث معين
بدأ في هذا القصيدة مخاطبة المحبوب وهذه المخاطبة الحميمية تمثل تمهيداً لحدث مهم ثم تبدا في طرح موضوعها بتشويق مستصحبة معها عناصر الإثارة والتشويق.
وتدهشنا في بنائها للقصيدة بأسلوبها الدرامي الفريد وهي تنتقل من قضية إلى أخرى بصورة لا تخل بالوحدة الموضوعية للقصيدة
بعد كل الذي تناولناه نستطيع أن نقول أن تجربة آمنة نوري تجربة أكدت وجودها المقنع والمؤثر وفرضت نفسها بقدرتها علي التاثير لانها تجربة استندت
على أرث ثقافي واستفادت من عدة معينات ساهمت في خلودها ورسوخها في نفوس الاخرين