منصة عطاءات السودان tender.sd عطاءات السودان
حوارات

الكاتب الصحفي والمحلل السياسي حسن إسماعيل : السياسة عند برمة (مسالة معايش).. وهذا ما كان يفعله ايام الانقاذ (….) – كل قـــراءات عثمان ميرغني مضطـــربة وفاشـــلة

حوار : محمــد جمــال قنـــدول

ربما وضعتهم الأقدار في قلب النيران، أو جعلتهم يبتعدون عنها بأجسادهم بعد اندلاع الحرب، ولكنّ قلوبهم وعقولهم ظلت معلقةً بالوطن ومسار المعركة الميدانية، يقاتلون أو يفكرون ويخططون ويبدعون مساندين للقوات المسلحة.

ووسط كل هذا اللهيب والدمار والمصير المجهول لبلاد أحرقها التآمر، التقيتهم بمرارات الحزن والوجع والقلق على وطن يخافون أن يضيع.

ثقتي في أُسطورة الإنسان السوداني الذي واجه الظروف في أعتى درجات قسوتها جعلني استمع لحكاياتهم مع يوميات الحرب وطريقة تعاملهم مع تفاصيل اندلاعها منذ البداية، حيث كان التداعي معهم في هذه المساحة التي تتفقد أحوال نجوم في “السياسة، والفن، والأدب والرياضة”، فكانت حصيلةً من الاعترافات بين الأمل والرجاء ومحاولات الإبحار في دروبٍ ومساراتٍ جديدة.

وضيف مساحتنا لهذا اليوم هو الكاتب الصحفي والمحلل السياسي حسن إسماعيل، الذي كان قد توقع كارثةً كبيرةً في البلاد بسبب ما سُمي بـ(الثورة) في 2019:

أين كنت حينما اندلعت الحرب؟

كنت خارج السودان في تركيا التي وصلتها في نوفمبر 2020 بعد مؤامرة التغيير في أبريل 2019، بعد أن مكثت عامًا في السودان ، وكانت فترة مراقبة للأوضاع، وشعرتُ بأنّ البلاد مقبلةٌ على كارثة فغادرت مع أسرتي.

متى كانت آخر مرةٍ زرت فيها السودان؟

غادرت في نوفمبر 2020 وللأسف لم أعُد، وكان من المفترض أن أعود في أغسطس الماضي تلبيةً لدعوةٍ من القيادات بمجلس السيادة ولكني لظروف لم أصل وربما أزور السودان خلال الشهر المقبل.

لماذا غادرت البلاد بشكل نهائي؟

لم اغادر بشكل نهائي ولدينا موعدًا في العودة قريبًا بإذن الله تعالى، ولكن أي شخص قريب من تتبع الأخبار بالبلد كان يستشعر بأنّها مقبلةٌ على كارثة تحت لافتة ما يسمى بـ”الثورة”، وهذه النبوءة ليست جديدةً، حيث إنني من 2013 عندما غادرت معسكر المعارضة كنت أقول إنّ المعارضة هذه إذا استلمت الأوضاع بالبلاد ستسلمنا لكارثة ولن يستطيعوا حتى توفير الكهرباء لمكاتبهم بالقصر الجمهوري وهذا ما حدث، ومن خلال متابعتي للتشكيل الهجين في 2019 كنت على يقينٍ تام بأنّ الوطن على مستواه الأمني والسياسي ومستقبله وحاضره مُقبلٌ على انفجارٍ ضخم وكارثةٍ كبيرة وتشظ، وكل هذا مكتوبٌ وموثقٌ وحتى ذكرته في حوار مع الأخ بكري المدني.

كيف تلقيت نبأ اندلاع الحرب بالسودان؟

نحن في فبراير 2023 كنا نسجل في حلقاتٍ نحذر فيها من كارثة الاشتباك العسكري، وذلك من خلال تتبعنا للحشد الذي كان يقوم به المتمرد “حميدتي”، وكذلك من خلال الخطابات التي كان يوجهها عبد الرحيم دقلو خاصةً من قاعة الصداقة ويهدد فيها أعضاء مجلس السيادة كنا متوقعين حدوث انفجارٍ في أي لحظة، ولدينا حلقةً مسجلةً نقدم فيها النصائح للمتمرد “حميدتي” بأنّ النار التي هو مقبلٌ على إشعالها لن تتجاوز ثيابه، وستشتعل في ثيابه، والأيام التي سبقت اندلاع التمرد خاصةً بعد تدشين التمرد باحتلال مطار مروي، كنا نتابع بالأخبار ولا نخلد للنوم الى أن سمعنا مباشرةً الاشتباك الذي حدث بالمدينة الرياضية بعد دقائق من اندلاعه.

ماذا كان شعورك في تلك اللحظة؟

الخوف على البلاد باعتبار أنّ الأيدي الخارجية كانت واضحة بتحرك “حميدتي” عبر العتاد، والخطط والسلاح، وقبل يومين من التاريخ الذي تمرد به-كونه يفكر (يضرب) مطار مروي والأبيض- والانتشار المهول لقواته يشعر الناس بأنّ البلاد تمضي في اتجاهين: أن تسقط في يد التمرد لا قدر الله، واتجاه آخر: ستحصل مقاومة من قبل القوات المسلحة والشعب تدحر التمرد ولكن بأثمانٍ غالية في الأنفس، والأرواح والبنية التحتية، والقلق كان في الاتجاه.

هل توقعت اندلاع الحرب؟

نعم توقعنا اندلاع الحرب وأي شخص كان يتابع يرى مؤشر الأحداث يوضح أنّ “حميدتي” أصبح لا يطيق صبرًا بأن يحصل على الامتيازات التي وفرها له “الإطاري” عُنوةً من قبل مجلس السيادة والجيش، ولكن الموضوع كان توقع أبعد من هذا باعتبار أنّ المساومة السياسية التي شكلت “الهجين” الذي حكم السودان في 2819 ، أي شخص عاقل واعي يعرف أنّ نهاية هذه المساومة هو ما جرى: القوى المدنية لا تريد خوض الانتخابات، وقوة شبه عسكرية تم تسليحها وتوفير المال لها، وحكومة عبد الله حمدوك تتطلع لأن ترث السودان، وكل المؤشرات ليس توقعًا وإنما يقينًا بأنّ البلاد مقبلة على كارثةٍ كبيرةٍ نتاجًا لسوء المعادلة السياسية.

كيف تقرأ الراهن السياسي على ضوء المتغيرات الجديدة؟

في الحقيقة الأفق الرؤية فيه محدودة وقصيرة، باعتبار أنّ الأيدي المتدخلة في السودان كثيرة وأي جهة لديها أطماعها “دول الجوار الإفريقي، ودول الجوار العربي”، حتى على مستوى المجتمع الدولي دول “الترويكا”، وعلى مستوى الدوائر بالولايات المتحدة، كثافة هذه الأيادي تجعل من التنبؤ والقراءة أمرٌ صعبٌ جدًا، لكن يؤكد لنا بأنّه ما من طريقة سُوى دحر هذه المؤامرة ببعديها “الداخلي والخارجي”، وتطلعاتنا كلها تصب في هذا الاتجاه هزيمة التمرد والمؤامرة الدولية التي أُعدت لتفكيك الدولة السودانية، وهو ما يحتاج لمزيدٍ من الجهد للجبهة الداخلية تعبئةً وتوعيةً ومزيدًا من العمل العسكري على مستوى الجيش والمستنفرين، بالانتصار على الأرض تتحدد ملامح المشهد السياسي والراهن.

هذه الحرب مختلفة عن سابقاتها؟

مختلفة باعتبار أنّ المؤامرة من 55 كان تحاول أن تورث السودان من أطرافه بواسطة الحركة الشعبية تارةً والحلو تارةً أخرى وبواسطة عبد الواحد محمد نور مرةً ثالثة، ولكن هذه المرة محاولة النيل من الدولة السودانية من قلب مركزها والعُدة التي أُعدت كبيرة والعتاد الذي جُهز ضخم جدًا، وبالتالي هي حرب مختلفة لأنّ أهدافها مختلفة خاصةً أنّ هنالك فترة من الفترات كان الهدف إضعاف السودان، ولكنّ هذه المرة تفكيكه وذلك واضحٌ من خلال الحشد المستمر والجسر الجوي المستمر الذي يمد المتمردين عبر تشاد وليبيا وبواسطة حكومة أبوظبي.

الناس مغبونة؟

مغبونة ولكن الغبن (لازم) يقوده وعي، وذلك عبر الفرز الواعي للمواقف والحيثيات، و,(أنا هسين عندما أرى شخص في المجتمع السوداني كنجم ورمز ولسه الأمور مختلطة ويقول ليك أنا ما بحرض عليه أو بشجع وكأنه الجيش السوداني ابتدأ الحرب) ، الجيش سنة كاملة بدافع عن مقاره ولم يتحرك خارج مقاره، وحركة الطيران السوداني الآن هي حركة لمنع “التشوين” الذي يأتي من تشاد وليبيا وتدمير مخازن المتمردين وعتادهم والقوات المسلحة تقوم بواجباتها، ولا يمكن عمل صيغة تساوي بين الجاني والمتعدي وبين الذي يقوم والطرف الذي يقوم بواجباته الدستورية والأمنية ولدينا مشكلة مسموعة ومعروفة (الصورة ما واضحة) ، وهذا يؤدي لغبن في كل الاتجاهات، ونحن محتاجون نضيء مصابيح التنوير لنا وللآخرين، وتحرير العقول من الأوهام والشائعات، وصحي الناس مغبونة من الخسائر والجراح التي وقعت عليها، ولكن الغبن دون وعي وطاقة معرفة تكون بلا نتائج.

الحسرة على وماذا؟

الحسرة على النخب وهذه المجموعات الرخيصة التي أصبحت سلعة يشتريها عبد الرحيم دقلو بأرخص الأثمان، الحسرة على الأحزاب السياسية الصدئة التي اكتشفها الناس بأنهم مجرد سوس، والحسرات كثيرة جدًا على الجوار.

“تقــــدم” هذه المجموعة هل استنفدت كل فرصها فى البقاء؟

هي “تقــــــــــزم” في الحقيقة، ولدت ميتةً لأنها ولدت من رحم التمرد وخُصبت بماء الخيانة والعمالة، وخرجت جنينًا مشوهًا وميتًا، وبالتالي الحديث عن “تقدم” يعني الحديث عن التمرد بل بصورةٍ أسوأ، باعتبار أنّ التمرد يقاتل في القضايا المتوهمة لديهم ولكن( ما معقول) قوى مدنية وتصطف خلف قوى متمردة عسكريًا وتوقع معها مصفوفة سياسية تتجاهل كل المعايير والسقوف الإنسانية.

حزب (الأمة القومي) صدم السودانيين بموقفه في الحرب؟

أنا من 2002 فقتُ وتفأجاتُ بأنّ الوضع في حزب الأمة هكذا، وكنا نقول للسيد الصادق إذا لم تُبنى المؤسسات سيُدار الحزب بالأسرة وسيؤول الصراع الأسري، وعلى الشعب السوداني أن يتجاوز هذه الأحزاب والأوهام ويقف على حقيقة إنه ما عندنا ما يسمى بالأحزاب، والتي أصبح عبد الرحيم ينظف بها حذاءه.

البلاد افتقدت العقلاء (الترابي، والمهدي ونقد) وآخرين؟

نسبيًا اتفق معك، ولكن في الحقيقة إنّ الذي نحن فيه حصاد فشل كل المجموعة السياسية من لدن الاستقلال ليومنا هذا ولا أستثني أحدًا، بنينا أحزابًا هشةً وضعيفة وكانت عُرضةً للاختراق، وكنا أقرب دائمًا على مستوى قياداتنا الحزبية للمغانم الشخصية من التجرد لصالح الوطن، وللأسف الآن 90% من الأحزاب والقيادات أدوات في يد المطابخ الخارجية.

هل تتوقع حسم هذه الحرب عسكريًا أم بالتفاوض؟

هنالك من يستخدم كلمة “تفاوض” استخداما مُبهما، والتفاوض الذي يقود لإنهاء التمرد مرحبًا به، ولكن الذي يعود بالدعم كقوى مزدوجة وموازية للجيش (دا تفاوض يعيد إنتاج الأزمة)، والحسم هو الحاسم سواءً كان عسكريًا أو تفاوضًا يقود لإنهاء التمرد.

صراعات حزب الأمة القومي بين الطموحات الشخصية والروافع الأُسرية، هل هي سبب الأزمة الآن فى الكيان العتيق؟

بالمعايير العلمية التي توصف بالأحزاب ما عاد هنالك حزب اسمه “الأمة القومي”، وهنالك أُسرة فقط ومنقسمة، والانقسام متخلف وليس على فكرة وإنما انقسام لمصالح أولاد زوجة محددة من الجانب الآخر، أما الحزب الذي يهتم بمشاكل الجماهير غير موجود.

وماذا عن قيادات الحزب برئاسة بُرمة؟
بُرمة مسألة السياسة بالنسبة له مسألة معايش يقتات منها ويسترزق منها مثل ما كان يفعل أيام الإنقاذ حينما كان يسلم تقاريرًا شهريةً لمكتب بكري حسن صالح عن الاجتماعات داخل حزب الأمة، والآن غير سيدًا بسيد وأصبح يعمل تحت إمرة عبد الرحيم.

عثمان ميرغني أدلى بإفاداتٍ تجرم “قحت” حول اشتراكها فى الحرب، ولكن يرى البعض بأنّ عثمان يراوغ؟

عثمان من الإعلاميين الذين لديهم موثوقيةً عالية بالمصادر الغربية، وليس لديه اهتمام بمؤشرات الحركة الداخلية، ولهذا قراءاته كلها (مضطربة وفاشلة).

من أشعل الحرب؟ الاتهامات متبادلة، “تقدم” تتهم “الإسلاميين”، و”تقدم” نفسها متهمة من الجميع؟

أشعل الحرب “الاتفاق الإطاري”، لأنّ “حميدتي” تحرك في 15 أبريل ليحوذ الامتيازات التي وفرها له “الإطاري”، ومن يقف خلف “الإطاري” “الرباعية وقحت”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى