الطيران الحربي يوجه ضربة استراتيجية لشريان المليشيا المالي في دارفور – مناجم سنقو..ضرب معاقل الجنجويد الاقتصادية
تقرير :رحمة عبدالمنعم
في تصعيد جديد ضمن العمليات العسكرية الجارية في السودان، شنت القوات المسلحة ، عبر الطيران الحربي، هجمات نوعية على مواقع اقتصادية استراتيجية تتبع لمليشيا الدعم السريع في منطقة سنقو، الواقعة بولاية جنوب دارفور. وشملت الضربات مناجم الذهب في منطقتي مجنغر وأشقر، إلى جانب مواقع شركة الجنيد التي تعد الذراع الاقتصادية الأبرز للمليشيا.
مركز استراتيجي
وفي خطوة تصعيدية تعكس تحولاً نوعياً في مسار الحرب الدائرة في البلاد، شن الطيران الحربي ضربات مركزة على معاقل اقتصادية استراتيجية تتبع لمليشيا الدعم السريع في منطقة سنقو، الواقعة جنوب ولاية دارفور. واستهدفت الغارات مناجم الذهب في منطقتي مجنغر وأشقر، إلى جانب مواقع شركة الجنيد التي تعد الذراع الاستثمارية الأبرز لقادة المليشيا. هذه الضربات، وفق مراقبين ومحللين، ليست مجرد عملية عسكرية عادية، بل تحمل في طياتها رسالة استراتيجية تهدف إلى تقويض البنية المالية والاقتصادية للجنجويد، ما يمثل تحولاً جذرياً في ديناميكيات الحرب
وتُعتبر سنقو من أبرز المناطق الغنية بالذهب في السودان، وهي محور رئيسي لأنشطة التنقيب غير الرسمية التي تديرها مليشيا الدعم السريع. ويصف الصحفي منصور علي، المتخصص في قضايا دارفور والموارد الطبيعية، منطقة سنقو بأنها “الرئة الاقتصادية التي تتنفس عبرها مليشيا الدعم السريع
ويضيف منصور لـ”الكرامة”: لذهب المستخرج من سنقو ليس مجرد مورد اقتصادي؛ بل يُستخدم بشكل مباشر كوسيلة لتغطية تكاليف العمليات العسكرية وشراء الولاءات السياسية،و أي استهداف لهذه المناطق يعني توجيه ضربة مباشرة لقلب شبكة التمويل التي تعتمد عليها المليشيا
ذراع المليشيا
وتعد شركة الجنيد واحدة من الأذرع الاستثمارية الأكثر نفوذاً لمليشيا (الجنجويد)، إذ تتولى إدارة واستثمار عائدات الذهب المستخرج من مناجم سيطرت عليها المليشيا منذ سنوات ويشير الخبير الاقتصادي دكتور هيثم عبدالرحمن إلى أن الشركة تعمل كواجهة مالية لقادة المليشيا، حيث قال لـ”الكرامة”:شركة الجنيد ليست مجرد مؤسسة اقتصادية؛ بل هي بمثابة بنك مركزي موازٍ يمول العمليات العسكرية ويتيح للمليشيا شراء الأسلحة وتجهيز قواتها، الضربات الجوية التي استهدفت مواقعها في سنقو تضعف قدرة المليشيا على تمويل نفسها وتعكس إدراك الجيش لأهمية قطع الشرايين الاقتصادية كوسيلة لحسم المعركة
ويضيف عبدالرحمن أن عمليات التنقيب عن الذهب التي تقوم بها الشركة تمتد عبر شبكات تهريب واسعة النطاق، حيث يتم نقل الذهب بشكل غير شرعي إلى دول مجاورة ومنها إلى أسواق عالمية مثل الإمارات، وهو ما يشكل اختراقاً اقتصادياً خطيراً على مستوى الإقليم
تهريب الذهب
وبحسب تقارير دولية، يعد تهريب الذهب أحد أبرز أدوات التمويل التي اعتمدت عليها المليشيا لتعزيز نفوذها السياسي والعسكري. وفي هذا السياق، أشار بيان صادر في وقت سابق عن الحكومة البريطانية إلى أن “عمليات تهريب الذهب من السودان، والتي تديرها شبكات ترتبط بشركة فاغنر الروسية وشركاء إقليميين، تُعتبر حاسمة في دعم الاقتصاد الروسي الذي يعاني من العقوبات الدولية بسبب غزو أوكرانيا
ويرى الخبير في شؤون التعدين الصادق فضل أن المعادلة تغيرت بعد إغلاق المجال الجوي السوداني في بعض المناطق المضطربة بسبب الحرب ، مما صعّب عمليات تهريب الذهب وجعل المليشيا مضطرة لتغيير طرقها التقليدية
ويضيف لـ”الكرامة”:ضرب مناجم الذهب في سنقو يعني القضاء على مورد مالي رئيسي، ليس فقط للجنجويد، بل أيضاً لشبكات دولية مستفيدة من هذا النشاط غير المشروع
متعددة الأبعاد
لوا تقتصر أهمية الضربات الأخيرة على الجانب الاقتصادي فقط، بل تمتد لتشمل أبعاداً استراتيجية وسياسية ،يقول الباحث في الشؤون الأمنية عمر النور لـ”الكرامة”:هذه الضربات تعكس تحولاً في استراتيجية الجيش نحو استهداف البنية التحتية الاقتصادية للمليشيا،و من المعروف أن الحروب لا تُحسم فقط في ساحات القتال، بل أيضاً عبر إضعاف قدرة العدو على تمويل نفسه.وفي حالة المليشيا، فإن ضرب مناجم الذهب يعادل قطع شريان الحياة
ويشير النور إلى أن هذه الخطوة تحمل رسالة سياسية واضحة أيضاً، مفادها أن الجيش مصمم على إنهاء أي وجود اقتصادي مستقل للمليشيا، مما يعزز من موقف الدولة السودانية في استعادة السيطرة على مواردها الطبيعية
أصوات دولية
وتزامنت الضربات الجوية مع تصاعد الاهتمام الدولي بعمليات تهريب الذهب السوداني، فقد أكدت تقارير بريطانية وأمريكية أن تهريب الذهب يمثل “خرقاً للسيادة السودانية ومصدر تمويل غير شرعي للصراعات الإقليمية
ويرى المحلل السياسي أحمد الفكي أن المجتمع الدولي قد يستخدم هذه التطورات كمدخل للضغط على الاطراف المتورطة في تهريب الذهب، خصوصاً مثل دولة الامارات وشركو فاغنر
وتمثل الضربات الجوية التي استهدفت مناجم الذهب وشركة الجنيد في منطقة سنقو نقطة تحول في الحرب السودانية. فإضعاف القاعدة الاقتصادية لمليسيا الدعم السريع يعني تقليص قدرتها على تمويل العمليات العسكرية واستقطاب المرتزقة،وفي ظل التحركات العسكرية والدبلوماسية المتسارعة، يبدو أن المعركة على الموارد ستظل إحدى الجبهات الرئيسية في الحرب، مع تأثيرات تمتد على المستويين المحلي والدولي.