مقالات

الشرطة السودانية – شرف الأداء في زمن المحن – بقلم. النور مساعد

في زمن الحرب، حيث تتعطل مؤسسات وتضيع الحقوق، برزت الشرطة السودانية – ممثلة في قسم السجل المدني والجوازات – كأنها قلب الوطن النابض، تعمل بصمت ونقاء وسط دخان الفوضى.

كنت في مدينة بورتسودان في مهمة رسمية وطنية خلال هذه الحرب اللعينة، وبينما أتابع إجراءات استخراج جوازات السفر لأسرتي في ولاية أخرى، وردني اتصال من أحد أبنائي، يبلغني أن جوازه لم يصل مع إخوته. شعرت بقلق عميق، فغياب وثيقة رسمية كهذه في هذا الظرف قد يفتح أبواباً من المعاناة.

توجهت إلى قسم الجوازات في بورتسودان، وسط الزحام والضجيج، واستفسرت من أحد العساكر، فأصغى لي باهتمام، ثم وجّهني إلى مكان آخر قد أجد فيه الحل. ركبت “ركشة” صغيرة، ينساب منها صوت أغنية من شرق السودان، أعادت لقلبي بعض الأمل وسط الزحام.

وصلت إلى كرفانة صغيرة ذات باب ضيق، وجدت بداخلها أربعة شباب يجلسون على كراسي بسيطة، لكن أرواحهم الكبيرة كانت تملأ المكان ترحيباً وأدباً. شرحت لهم المشكلة، فنهض أحدهم، شاب نحيف لكنه يحمل في عينيه حماسة الوطن، أخذ مني بيانات ابني، ثم ذهب إلى أحد الرفوف.

دقائق معدودة وعاد يحمل ورقة، قال لي بثقة: “جواز ابنك بالرقم كذا، وقد أُرسل بالفعل إلى الولاية المعنية، وهذا رقم الإرسال في التقرير الرسمي”.

اللافت في الأمر، أن أحداً منهم لم يسألني: من أنت؟ ولا لماذا تسأل؟ تعاملوا معي كمواطن له حق، واستجابوا بحسّ عالٍ من المسؤولية.

وقفت لحظات أحدّق في رفوف الكرفانة… رأيت جوازات مواطنين سودانيين موجهة إلى الصين، كينيا، أمريكا، يوغندا، وغيرها. كلها مصنفة، مرتبة، موثقة… لم أشعر حينها أنني في مكان إداري، بل في قلب وطن لا يزال ينبض بالمسؤولية رغم الحرب.

شكرتهم من أعماق قلبي، فقال أحدهم ببساطة مؤثرة: “هذا واجبنا تجاه شعبنا”.

لهذا أكتب اليوم، لأقول لكل سوداني وسودانية:
“مستنداتكم في يد أمينة… يد الشرطة السودانية.”

أتمنى أن يقرأوا كلماتي هذه، فهي رسالة امتنان وتقدير من قلب مواطن عرف قيمة من يخدمونه في صمت.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى