التقارير

السودان والاتجاه نحو الشرق: من معركة الفاشر إلى بوابة البحر الأحمر.. تحوّل استراتيجي يغيّر موازين القوى

بقلم : مكاوي الملك

السودان لم يُعلن رسميًا تحالفه مع روسيا بعد لكنه اتجه عمليًا نحوها بخطواتٍ واضحة واستراتيجية محسوبة
لم يقلها بصوتٍ عالٍ.. لكنه فعلها فعليًا

الحقائق على الأرض تتحدث:
اتفاق القاعدة في بورتسودان – التنسيق العسكري – والانفتاح الاقتصادي على موسكو
ليست تحديًا لأمريكا..بل خيار نجاة وسيادة بعد أن صمت الغرب عن جرائم المليشيا وداعميها وترك السودان يواجه مصيره وحيدًا
(التحالف مع من يحترم إرادتك.. لا مع من يساوم على وطنك)

بعد سقوط الفاشر وما تبعه من صمتٍ متعمّد..تتجه الأنظار إلى التحولات الكبرى في السياسة السودانية ، ليس فقط في ميادين القتال..بل في خريطة التحالفات الدولية التي تُعاد صياغتها الآن على ساحل البحر الأحمر

التقارير الصادرة عن الصحف الغربية و”مدى مصر” اليوم كشفت بوضوح أن السودان بدأ فعليًا وعملياً مرحلة الانتقال الرسمي نحو المعسكر الشرقي بقيادة روسيا ..بعد سقوط رهانات واشنطن والرباعية على إخضاع الخرطوم بالضغط السياسي أو العسكري
واستعداد الفريق أول البرهان لزيارة موسكو منتصف نوفمبر القادم لتوقيع ترتيبات عسكرية واقتصادية يؤكد أن التحول الروسي يُقدَّم في الخطاب الرسمي السوداني كـ”خطة إنقاذ من الانهيار” لا كتحالف عابر

الخرطوم ترى في موسكو الملاذ الاقتصادي والسياسي أمام ضغوط الرباعية (أمريكا – السعودية – الإمارات – مصر) ومحاولاتها فرض مسارٍ سياسي يخدم المليشيا
واشنطن تابعت ذلك بقلق بالغ..وأرسلت تحذيرات مباشرة في اجتماعاتها في واشنطن مفادها أن “الوجود الروسي في البحر الأحمر سيزيد التوتر الإقليمي” في إشارة واضحة إلى أن التحالف السوداني الروسي أصبح واقعًا يربك حسابات الغرب

زيارات وزراء الطاقة والمالية والنقل إلى موسكو خلال الفترة الماضية لم تكن بروتوكولية..بل جزءًا من صفقة استراتيجية شاملة تعيد رسم العلاقة بين السودان وروسيا..عنوانها:
“إنقاذ السودان من الانهيار مقابل موطئ قدم روسي على البحر الأحمر”

المشروع الروسي لإنشاء قاعدة لوجستية في بورتسودان..الذي أُعلن عن اكتماله في فبراير 2025 تحوّل اليوم إلى ركيزة استراتيجية في علاقة الخرطوم بموسكو..بعد أن فقد الغرب مصداقيته..وظهر بوجهه الحقيقي كطرفٍ يدعم مليشيا ترتكب جرائم حرب ويغضّ الطرف عن مأساة السودان

الرسالة التي يبعثها السودان اليوم للعالم واضحة وجريئة:
لن نسمح بإعادة إنتاج مشروع الهيمنة الغربية عبر بوابة “الرباعية” أو “الانتقال المدني المفروض” بأدواتٍ إرهابية
وسنتعامل بنديّةٍ كاملة مع كل القوى..بشراكة تحفظ السيادة وتخدم مصالح السودان أولاً

من الناحية الجيوسياسية..دخول روسيا رسميًا إلى البحر الأحمر عبر السودان يضع موسكو في قلب أهم ممر ملاحي عالمي، ويمنح الخرطوم ورقة قوة نادرة في مواجهة الضغوط الأمريكية
فبعد أن كانت واشنطن تستخدم المساعدات والعقوبات كسلاح..أصبح لدى السودان اليوم حليفٌ يملك أدوات الدعم العسكري والاقتصادي دون شروطٍ سياسية

إن ما فشلت فيه سنوات من المفاوضات الباردة تحقق بفضل الله وثم صمود الجيش والشعب أمام مؤامرة تفكيك الدولة
الحرب التي أرادها الغرب وسيلةً لإضعاف السودان تحوّلت إلى نقطة تحوّل كبرى في إعادة تموضعه العالمي

واليوم..بينما تنشغل واشنطن بمشاورات عقيمة بين الحكومة والمليشيا وداعميها ..يتحرك السودان بخطواتٍ ثابتة نحو محورٍ جديد يتعامل معه كـ شريكٍ لا تابع
إنها بداية مرحلة الاستقلال الجيوسياسي الكامل..وروسيا ليست سوى أول حجر في هذا البناء الجديد الذي سيغيّر وجه المنطقة بأكملها

الخلاصة:
نعم السودان لم يُعلن رسميًا الاصطفاف مع روسيا..لكنه دخل فعليًا وعملياً في شراكة استراتيجية دفاعية واقتصادية تجعل موسكو اليوم “شريك الإنقاذ” لا مجرد حليفٍ عابر
السودان يوازن بين الشرق والغرب..لكنه يميل بثباتٍ نحو موسكو بعد أن خذله الغرب وصمت عن جرائم المليشيا ودعم الامارات المتواصل للمليشيا
الخطوة ليست عداءً لأمريكا بقدر ما هي تحوّل في البوصلة الجيوسياسية نحو محور الاستقلال والسيادة

هذا هو التحول الأهم منذ 2019 في السياسة الخارجية السودانية
وهو ما تتابعه واشنطن اليوم بقلقٍ بالغٍ ومتصاعد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى