السودان في قمة (لم الشمل) العربية بالجزائر بروفيسور صلاح محمد إبراهيم
شارك رئيس المجلس السيادي الانتقالي عبد الفتاح البرهان في القمة العربية (قمة لم الشمل) بالجزائر ، التي انعقدت خلال الفترة من 1 إلى 2 نوفمبر 2022، في ظل أزمة عالمية بسبب الحرب الأوكرانية الروسية، وأزمة الغذاء والطاقة والمناخ والتي كان للسودان مبادرات فيها على رأسها المقترحات التي تقدم بها في اطار الاستراتيجية العربية لمعالجة أزمة الغذاء في العالم العربي والتي وجدت اهتماماً كبيراً خلال هذه الدورة، وقد نجح السودان في انتزاع الإرادة العربية لتنفيذ مبادرة الأمن الغذائي، كما نجح في عرض الأوضاع والتطورات الجارية في السودان . ووفقاً لتصريحات الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط أن القمة كانت ناجحة بكل المقاييس، وشهدت أكبر حضور عربي في تاريخ القمم العربية ، عقدت القمة بعد أن تأخرت منذ عام 2020 لمدة ثلاثة سنوات بسبب انتشار فيروس ( كوفيد 19) ، وجاءت في وقت يشهد فيه العالم متغيرات القت بتبعاتها على الدول العربية وهددت وجود الدولة الوطنية العربية كما جاء في خطاب الرئيس عبد الفتاح السيسي وخطاب الأمين العام للجامعة.
يعتقد بعض المؤرخين أن فكرة الوحدة العربية تعود إلى محمد على باشا حاكم مصر بعد أن احكم السيطرة على السودان جنوباً و ارسال أبنه إبراهيم باشا إلى بلاد الشام وحملاته في الفترة بين 1832-1840، وقد الف نجيب عزوري كتاباً بعنوان “يقظة الأمة العربية” طالب فيه بتوحيد الدول العربية الأسيوية، كل هذه الدعوات ظهرت بعد الانفصال عن الدولة العثمانية، ولكن من المؤكد أن الفكر القومي العربي قد اكتسب زخماً كبيراً خلال القرن العشرين عندما نادي دعاة القومية العربية بالنضال ضد الاستعمار وتصاعدت الأفكار القومية بين الحربين العالميتين الأولى والثانية بين 1918-1945، وهي الفترة التي تم فيها تجزئة الدول العربية بعد الحرب العالمية الأولى، وتقسيمها كغنيمة حرب بعد انتصار الدول العظمي خاصة فرنسا وبريطانيا.
استندت فكرة القومية العربية على ثلاثة عناصر هي اللغة والثقافة والتاريخ المشترك، وهو ما ارتكز عليه الفكر الناصري خلال حقبة الرئيس المصري جمال عبد الناصر ، و كان النحاس باشا رئيس وزراء مصر قد دعا إلى قيام مشاورات بين العرب حول مشروع للوحدة العربية ، وعقد اجتماع في مدينة الإسكندرية حضرته كل من مصر ولبنان والعراق وشرق الأردن وسوريا والسعودية واليمن تم فيه اقترح تكوين مجلس اتحاد، وقد اتضح من خلال المشاورات أن الحكومة المصرية لها مشروع متكامل للوحدة باسم الجامعة العربية كما قدمه مصطفى النحاس ، وكان ذلك المقترح اخر إنجازات النحاس قبل أن يقيله الملك فاروق، وهناك ما يشير إلى أن بريطانيا قد اوعزت إلى الملك فاروق بإقالة النحاس بسبب فكرة الوحدة العربية.
ظلت مشكلة اتخاذ القرارات من أكثر الإشكاليات التي لازمت الجامعة العربية خلال فترة سنواتها التي تجاوزت أكثر من سبعين عاماً، إذ نص الميثاق على اتخاذ القرارات بالإجماع وليس بالأغلبية، وهو ما اعاق تنفيذ الكثير من المهام و حل المشكلات العربية ، وعطل هذا النص اتخاذ قرارات حول العديد من القضايا الملحة والطارئة، وأخرى لها علاقة بإستراتيجية الأمن القومي العربي ومشكلة الغذاء والتنمية والاستثمارات ، وكانت الخلافات السياسية تلعب دوراً كبيراً في تعطيل المشروعات المشتركة فالجامعة العربية انعكاس للحالة العربية التي تشهد الكثير من النزاعات والمكايدات الداخلية .
جاءت قمة الجزائر تحت عنوان (قمة لم الشم)، وعادة تعتمد قابلية تنفيذ توصيات القمة على مستوى حضور الوفود والتمثيل وما إن كان على مستوى الرؤساء أو من ينوب عنهم ، سبق أن شهدت الجزائر ثلاثة قمم عربية في عام 1973 خلال فترة الرئيس هواري بومدين، وقمة 1988 خلال عهد الشاذلي بن جديد ، وقمة 2005 وهي كانت قمة عادية خلال فترة الرئيس بوتفليقة، وفي قمة الجزائر الحالية تغيبت كل من المملكة العربية السعودية والأردن ، والمغرب والإمارات وسلطنة عمان ولبنان على مستوى الرؤساء ، وشارك بجانب الرئيس الجزائري، كل من رؤساء مصر والسودان وتونس والعراق وأمير قطر وموريتانيا والصومال، ولا شك أن غياب بعض الدول على الرغم من اعلان دولهم دعم القمة ومساندة كل الجهود الدبلوماسية التي قامت بها الجزائر، إلا أن ذلك لا ينفي أن هناك اسباباً غير معلنة لهذا الغياب كما تعودنا بسب خلافات بين الدول كما هو حادث بين المغرب والجزائر حول الصحراء أو بسبب تحفظات على الأجندة المطروحة ، وحقيقة لقد تعودت الجماهير العربية عدم معالجة الخلافات أو أسبابها بشفافية ووضوح ، ومن المؤكد أن الجزائر قد نجحت بامتياز في تنظيم القمة .
تداول الرؤساء خلال قمة (لم الشمل)، العديد من القضايا التي كان من ابرزها قضايا أمنية وسياسية واقتصادية ، وقضية سد النهضة ،والأزمة اليمينة والتدخلات الخارجية وطالب الأمين العام بضرورة انهاء مسلسل الدم في سوريا واليمن وليبيا، إضافة إلى موضوع القضية الفلسطينية وهو بند ثابت في القمم العربية ، وهناك أزمة نقص الغذاء التي أصبحت تهدد العالم العربي بعد الحرب الأوكرانية الروسية ، إذ أن معظم الدول العربية تستورد معظم اغذيتها من الخارج ، خاصة الحبوب والزيوت ومدخلات الإنتاج الزراعي في بعض الدول.
وحول قضية اصلاح الجامعة العربية لم تتم مناقشة القضية ولكن تم التداول بين الوفود خارج القاعات حول بعض أفكار التطوير للجامعة تقدمت بها الجزائر ، وفي اعتقادي أن مشكلة الجامعة العربية تكمن في اليات التنفيذ وضرورة تفعيلها ، و تحتاج لتعديلات في ميثاق الجامعة بحيث تصبح القرارات التي يتم اتخاذها أكثر الزامية للدول الأعضاء ، فهناك الكثير من القرارات لا يتم تنفيذها حتى بعد تصويت بعض الدول عليها ، لأن الميثاق لا يلزمها بالتنفيذ مثل ما يحدث في دول الاتحاد الأوروبي ، و هناك القضية الفلسطينية التي لا زالت تراوح مكانها دون ممارسة ضغوط متوافق عليها لاستعادة الحقوق العربية ، وقد واجهت القمة مشكلات حول اتخاذ قرارات قوية تجاه المشكلة الليبية واليمنية والتدخلات الخارجية فيها .
لقد ذكر الأمين العام أن دخل الدول العربية من النفط يعادل دخل كل الدول الأوروبية، وهو حجم ضخم من الأموال يمكن توظيفه في خدمة المصالح العليا للدول العربية وبناء اقتصاد عربي قوي يقوم على التكامل لتحقيق الأمن الغذائي العربي، البيان الختامي تنازل ضرورة تمديد الهدنة اليمينة ورفض التدخلات الأجنبية في الدول العربية دون الإشارة إلى دول بعينها كما أشار إلى ضرورة حل سلمي للمشكلة الليبية دون الإشارة إلى طرف معين فيها ، ودعمت القمة موقف مصر والسودان تجاه قضية سد النهضة . وكما هو الحال بعد نهاية كل قمة عربية تنتظر الجماهير العربية انتقال القرارات إلى خطوات عملية على ارض الواقع قبل أن ينم ترحيلها إلى القمة القادمة.، وفي مقابلة أجرتها قناة الحدث مع سميح المعايطة وزير الإعلام الأردني السابق، أن القمة لم تحل الكثير من المشكلات ، وأن مستوى التمثيل فيها لا يشكل قوة دفع للقرارات، وأن العديد من المشكلات مفتاح حلها خارج المنظومة العربية في يد دول مثل روسيا وأمريكا.