الروائي هاشم محمود يكتب _ ياسين ازاز فيلسوف الادب
فكرتُ كثيرا قبل أن أخوض هذه التجربة -الأولى من نوعها- وظلت الحيرة تسكنني حتى حط قلمي رأسه يُصدر نغما ألفته مسامعي حين فرغت من كتابة ما أجبرتني عليه مطالعتي لهذه الرائعة، ودون أن أشعر بمضُي الوقت انتهيت منها.
لم تكن هذه المرة الأولى التي أبهرني بها الكاتب والقاص الإريتري (ياسين إزاز) فمنذ أن قرأت له -عن طريقة الصدفة قبل سنة تقريبا- مقالا نشر في موقع سوداني، عرفت أني أمام عقلية أدبية فلسفية بحتة قادمة بقوة لا تضاهى، وكنت واثقا أن انجازه الأدبي لن يتأخر. لم يخيب ظني، فقد باغتني أن اطلع على المسودة الأخيرة لمجموعته التي ستصدر عن دار النخبة قريبا، فقد عزمت في أن أسبق الجميع، وأهرول نحو القراء حتى أزف إليهم هذه البشرى القيمة.
لا يحتاج القارئ الفطن، والناقد الفحل، والأديب اللبق كثير من الجهد ليدرك أن الطريقة التي كتبتْ بها هذه المجموعة الرائعة مختلفة البتة عن التي قرأها في حياته. فمزج السرد بالفلسفة، وبلغة عالية ورصينة، وجمل قصيرة، قوية ورشيقة، استطاع أن يأخذنا إلى مكانة فريدة؛ وبين الحين الآخر أورد عبارات نثرية (شعرية) وكأنه يشكل رسما بديعا بأدوات مختلفة، دون أن يفقد فحوى القصة القصيرة (الحفاظ على الزمن والموضوع)، كما تلاعب أيضا في تقديم وتأخير الأحداث، فلا يفرز القارئ البداية من النهاية حتى يقرأ آخر جملة في القصة.
أخرج ياسين إزاز ما كان يمكن أن يكون ساكنا في أجواف الجميع -ممن هم في سنه أو أكبر من سنه- وبطريقة ذكية تطلب الكثير من الجهد الذهني لإدراك ما يُشي إليه، يسرد لنا وقائع يغوص في مخيلة الأديب ويجبره على أن يتساءل؛ كيف يعرف هذا الشاب ما كان قابعا في نفسي ويكتبه نيابة عني؟! ستظل الحيرة سترافق القارئ منذ اللحظة التي يعزم فيها على قراءة المجموعة وحتى إكمالها. ما مميز الكاتب الشاب، نبوغه المفرط، لغته الرصينة، وجمله القصيرة الرشيقة. حين تقرأ “أوهام صغيرة … أوهام جميلة” ستدرك عظمة هذا الكاتب، خاصة لأنه يتمتع بنظرة ثاقبة توغل في النفس البشرية، وكأنه رجل ثمانيني، أفنى عمره في حلحلة أزمات المجتمع وفهم قضاياهم اليومية. كيف لا، وهو الكاتب الفيلسوف الذي يسحر القارئ بعباراتٍ رنانة يظل ديدنها يتردد على آذانهم، ورشاقة الجمل وإنحناءات الأبجدية وتقوسها وتمددها تظل تتلسق بتلك الجفون التي مُررت عليها.
أوهام صغيرة … أوهام جميلة … ستظل راسخة في مخيلة القارئ الذي له سلطة خاصة في الحكم على النص، سواء تتفق مع أم لا، إلا أنك- أيها القارئ- ستستمتع بالمجموعة هذه.
وأخيرا؛ شكرا لياسين إزاز على هذه البداية القوية، وهنيئا لنا بكاتب عظيم، لن يتأخر كثيرا حتى يكون رمزا من رموز الأدب الإرتري، بل الأدبي العربي حتى.
بقلم / هاشم محمود