اعلامية سورية تكتب عن تجربتها مع الحرب بالخرطوم
لوهلة ينسى الإنسان كل شيء.. أحلامه ، طموحاته ، أحبابه، وينحصر تفكيره فقط في سؤال :هل سأنجو أم لا وهل سيستطيعون دفن جثماني أم لا ، في لحظتها جملة واحد تتبادر الى ذهنه ( أشهد أن لا إله الا الله وأن محمد رسول الله ).
خوف وصراخ ودموع هي العنوان البارز في تلك اللحظات.. منّ كان يظن أننا سنعيش الحرب مرتين ،في دمشق والخرطوم.. نعيشها بكل مأساتها من خوف و رعب وتشرد وألم.
في اليوم الأول للحرب بالخرطوم التي نقيم فيها منذ سنوات وقد احببناها استيقظنا على أصوات اشتباكات لم نكن نعلم مصدرها ولكنها كانت قريبة جداً حيث نقطن، كُنا نسمع الأصوات ونرى سُحب الدخان المُنبعثة من شارع القيادة ومن المطار، لحظات من الصعب نسيانها، نحن في الخرطوم وأخي في بحري والأجواء مُرعبة والخوف قد بلغ مداه ، المحلات والدكاكين كلها أغلقت، لم نكن نهتم بالحرب قدر خوفنا على سلامة بعضنا واتصالنا ببعضنا ( هل أنت بخير ، هل حصل عندكم شيء ).
كان نهاراً رمضانياَ طويلاَ متعباً ومخيفاً ، استمرت المأساة مع إنقطاع الكهرباء والماء ومع ذلك كُنا متمسكين بقرارنا ( لن نخرج الى أي مكان ما يحصل على سكان الحي يحصل علينا )، ولكن الاصوات المُرعبة والمُخيفة والقريبة ومعها انقطاع للكهرباء والماء خاصة أن الوقت رمضان دفع أغلبية سكان الحي الى المغادرة وبدأ الحي يعمه الهدوء شيئا فشيئا ، الهدوء من السكان لا من القذائف ، وبدأت الشائعات تتصدر المشهد ، أخبرنا أحد جيراننا أن لا نخاف طالما أنه معنا فلن يحدث لنا شيئاً ولكننا تفاجأنا صباحاً برحيله ، بدا الحي وكأنه مدينة أشباح.
ومع اشتداد أصوات القصف والطيران اضطررنا للرحيل لمكان آخر بالخرطوم كُنا نحسبه اكثر أماناً ولكن لم يكن الحال كما ظننا ، حزمنا حقائبنا وقررنا الرحيل باتجاه ولاية الجزيرة على اعتبار أنها الأكثر اماناً في السودان ، كانت رحلة طويلة استمرت حوالي ثلاثة عشر ساعة، وماخفف وعثاء السفر ورهقه هو حب هذا الشعب الجميل للخير ففي كل منطقة تراهم يوقفون السيارات ويسقون الناس الماء البارد ويرحبون بهم ( الحمد لله على السلامة ، مرحب بيكم ) وبعضهم يحملون الطعام معهم، لم استغرب من هذه التصرفات فخلال اقامتي في السودان عرفت هذا الشعب الرائع عرفت نخوته وحبه للمعروف.
في أثناء رحلتنا انفجر إطار العربية وتوقفنا على قارعة الطريق نرجو المساعدة ولم يتوانى الناس عن مساعدتنا بعضهم توقف واعطانا تمرا وماء والبعض الاخر اعطانا خبزا حتى أن أحد اصحاب السيارات قال لنا ليس عندي ماء ومستعد أن اعطيكم سيارتي إن أردتم ، مشاهدات كثيرة لكرم هذا الشعب الذي حزنا على حاله التي آل إليها خاصة ونحن نرى الشاحنات الممتلئة بالناس الذي فروا من الحرب وهم غير عارفين أي وجهة يقصدون.
توجهنا بعد ذلك الى مدينة المناقل و صدقا لو قلت إني لم ولن أرى أطيب من أهلها فإني صادقة، استقبلونا بابتسامة كبيرة وترحاب وبشاشة، ورغم أننا وصلنا في ساعة متأخرة من الليل والتي هي من المفترض أنها وقت نوم، إلا أننا وجدناهم قد حضروا لنا الطعام وجهزوا غرفا لاستقبالنا.. يا الله ما أروع الشعب السوداني وما انبله.. أناس الحرب لا تشبههم، يشبههم الفرح والسلام، هنا في المناقل الكرم يمشي بين الناس.
لانملك غير أن ندعو الله سبحانه وتعالى أن يديم نعمة الأمن والأمان عندهم ويعيد الأمن والأمان الى باقي أنحاء السودان الحبيب الوطن الذي احتوانا بالحب والإحترام وحقه علينا أن ندعو الله دوما بأن يستقر ويذدهر.