
أستاذ محمد عمر،
مصطفى محمود قالوا أجروا له جراحة بواسير.
… ومصطفى يخرج من تحت البنج، وتحت الألم، يطلق الصراخ:
آه يا بطني…!
والطبيب يأتي جريًا ليقول له:
بطنك؟ نحن لم نلمس بطنك على الإطلاق!
ومصطفى يقول في مسكنة محتجًّا:
يعني… حَ أقول “آه يا شنو” يا دكتور؟
(2)
وأبو سن تُجرى له عملية بواسير أيام الإنجليز، والمفتش الإنجليزي يدخل عليه زائرًا ليقول له: أبو سن… (طَـ…) بتاء أنت… كيف؟
وأبو سن يقول له: طَ… بتاع! أنا كويس، إلا لفظك عاجز آآ خواجة!
(3)
ونحن، أستاذ، في حديثنا عن بناء الدولة، سهلٌ علينا جدًا أن نركم عمك روسو، وعمك لوك، وعمك سبينوزا… و…
لكننا أهل “وجعة”، وما يهمنا هو الوصول من أقرب بابٍ أو شباك.
لهذا نتحدث باللغة الهينة، التي لها أثر رمي الفكّك.
ولا نستخدم أسلوب الخواجة في الكشف والتطبيب، ونكتفي بأسلوب مصطفى محمود.
… بمعنى أننا نكتفي بالتلويح والتلميح.
(4)
وسهل أن نشير بالعصا إلى ضرورة فعل هذا وعدم فعل ذاك…
والأسلوب هذا – أسلوب الأوامر الذي أهلك العالمين – نتجنبه.
نتجنبه، لأنه ما من شيءٍ تورده وتورد شواهده إلا وجدت من يأتي بنقيضه، وألف شاهد مع النقيض.
(والجدل وقلة العمل) وصفة معروفة للخراب.
لهذا، فإننا نسوق الحديث بما يتفق عليه المحقّ والمبطل، كما يقول الغزالي.
وما يتفق عليه هذا وذاك، والشمس والنجوم والدواب، هو… الإنسانيات.
(5)
وكتبنا القصص، وما نحبه منها قصة اسمها (التذكرة).
وفيها:
المسافر يهبط عند مقهى في الصحراء… مقهى يمر به القطار.
والمسافر يُدهشه أن المقهى – وعلى غير العادة – كان نظيفًا جدًا، نظافة “صُنعت اليوم”.
والمسافر يلاحظ أن العدد القليل هناك – صاحب المقهى، وصبي الخدمة، وبائعة الفول أمام المقهى – كلهم كان يبدو عليهم أنهم قد حرصوا على نظافةٍ غريبة ذلك اليوم.
والمسافر، الذي كان هناك لشراء تذكرة، يجد أن بائع التذاكر كان أكثر الموجودين أناقة.
وشيء آخر ينتبه إليه المسافر، وهو أن كل الموجودين يتابعونه بأبصارهم، وكان هناك شيء يتعلق به.
وأن بائع التذاكر تعمّد أن يجلس على مقعده خلف الشباك، وأمامه دفتر التذاكر، ويبدو عليه حماسٌ خاص.
المسافر يجلس على المقعد لشرب الشاي، وحين يظل جالسًا، يجد أن بائع التذاكر يأتي ويجلس في مقابله، وأمامه دفتر التذاكر.
والمسافر يلاحظ أن الجميع مهتم بالمشهد.
(6)
بعد ساعة، كان بائع التذاكر والمسافر يتحدثان، والأربعة الآخرون يستمعون.
المسافر يعرف أنه هو آخر من يبيع له بائع التذاكر تذكرة في حياته… بعدها تنتهي خدمته.
وبائع التذاكر – وكان الليل يزحف – يحدث المسافر أن الاحتفال في المقهى كان احتفالًا بالمناسبة هذه.
وأن الزوجة والأولاد لابد أنهم الآن في البيت ينتظرون دخوله عائدًا من العمل لآخر مرة…
والقطار يأتي ويتوقف لدقائق… ويذهب.
والخمسة الجالسون في المقهى لا يلتفتون إليه، وكان كل أحدٍ يريد أن يبقى كل شيءٍ كما هو… ولا تُقطع التذكرة الأخيرة.
(7)
أستاذ،
التعاطف المجتمعي في السودان هو الجهاز العصبي للدولة.
وإعادة بناء الدولة عملٌ يبدأ من هناك…
ابدأوا تشييد سودانٍ جديد… مسلمٍ ومتعاطف