مقالات

ابراهيم عثمان يكتب : أرسطو وقحت والميليشيا!

*محمد عبد الحكم رئيس القطاع الإعلامي بالتجمع الاتحادي للجزيرة مباشر: (نحن نعلم بأن هنالك بعض المسيرات تعمل بالتيار الكهربائي، عندما يستهدف الدعم السريع أي من محطات الكهرباء، يتضرر المدنيين نعم، ولكنه يعتبر هذه جزء من مخططات الحرب لتحقيق انتصاراته على القوات المسلحة السودانية).
*إذا أخذنا قوله: (عندما يستهدف الدعم السريع أي من محطات الكهرباء، يتضرر المدنيين نعم، ولكنه يعتبر هذه جزء من مخططات الحرب ..)، سنجد أن كل العلوم ذات الصلة تنتقده في السياق الذي استخدمه فيه*:
* وفق أرسطو، الإقناع يعتمد على ثلاثة عناصر: إيثوس (الشرعية الأخلاقية)، وباثوس (العاطفة)، ولوغوس (المنطق). وفي حالة “نعم… ولكن…”: “نعم” تخدم الإيثوس (إظهار الإنصاف). و”لكن” تخدم الباثوس (تحريك المشاعر نحو تبرير الفعل) وكذلك اللوغوس (تقديم سبب منطقي).
* عندما يُستخدَم تركيب “نعم… ولكن…” في الخطاب، فإنه عادةً ما يُوظَّف كآلية تهميش، أو أداة تنازل ظاهري أو وهمي لتكون الفكرة هي: الجزء الأول (نعم…) يُقدَّم كاعتراف شكلي وهامشي ومؤقت بحقيقة أو رأي ما، لكنه مُجرد “مقدمة” للقفز فوقها إلى الجزء الأساسي من الفكرة. والجزء الثاني ( ولكن…) هو لبُّ الرسالة، حيث يُحوِّل التركيز إلى الفكرة المضادة أو التبرير الذي يلغِي أو يُقلِّل من قيمة الاعتراف الأول.
* الهدف من هذا التركيب هو امتصاص انتقادات الخصم (باستخدام “نعم”). وتحويل الانتباه إلى التبرير أو الهجوم المضاد (باستخدام “ولكن ..”). وفي الألسنية (اللغويات) تعتبر البنية التنازلية في جمل مثل ( نعم س، ولكن ص) أداة لخلق تناقض ظاهري، حيث يُظهر المُتحدِّث تواضعًا زائفًا قبل تقديم رأيه الحقيقي.
* حسب نظرية الأفعال الكلامية لجون سيرل الجملة الواحدة قد تحتوي على أفعال كلامية متعددة. وفي حالة “نعم… ولكن…” تمثل “نعم” فعلًا كلاميًّا تعبيريًّا يُظهر تعاطفًا. وتمثل “لكن” فعلًا كلاميًّا توجيهيًّا يهدف إلى فرض رأي أو تبرير.
* وحسب “نظرية الإطار” في علم النفس الاجتماعي استخدام “نعم… ولكن…” هو إستراتيجية لإعادة صياغة الإطار الذي يُقدَّم فيه الحدث، حيث يُضفي الشرعية على الفعل السلبي عبر ربطه بغاية “أعلى” لتقليل التنافر بين الفعل والقيم الأخلاقية.*
* كان معلوماً أن قادة قحت/ تقدم ( لن يبادروا ) بالحديث عن استهداف الميليشيا لمحطات الكهرباء عندما يُستضافوا على الفضائيات. وكان معلوماً أنه إذا سئلوا سيدخلون الجيش في الاتهام، ويقولون كلاماً بارداً معمما عن إدانة أي طرف يستهدف المنشآت المدنية. لكن رغم سجل قحت في تبرير جرائم الميليشيا لم يكن أسوأ الناس ظناً بقادتها يتوقع أن تتفتق عبقرية أحدهم عن تبرير ما لاستهداف محطات الكهرباء، إلى أن جاء محمد عبد الحكم وأثبت أن أسوأ سوء ظن بقادة أحزاب قحت يقصر عن سوء الظن الذي يستحقونه!
* لكي يعلم الناس مقدار انحياز قحت للميليشيا لهم أن يتخيلوا أن الجيش ــ لا قدر الله ــ كان هو الذي يستهدف محطات الكهرباء، ويبرر ذلك بهذا التبرير ، فهل كان قادة قحت سيروجون لهذا التبرير؟ وإذا كان يستهدفها ويصمت ولا يتحدث عن أي تبرير، فهل كانوا سيخترعونه له، ويضعونه على لسانه آملين في أن يروج بين الناس ويحمل الميليشيا المسؤولية الأكبر أو يقسمها بينها والجيش؟
* وتبقى الأسئلة التي يبدو أن قادة قحت لا يهتمون بها: حتى إذا صح أن مسيرات الجيش تستخدم الكهرباء، فأيهما الأحق بالإدانة: مسيرات الجيش لاستخدامها الكهرباء، أم مسيرات الميليشيا لتدميرها محطات الكهرباء؟ وهل الضرر على المدنيين هنا متناسب مع الهدف العسكري ( إن وُجِد )؟ وهل ستستفيد الميليشيا من هذا التبرير ( وهي التي لم تقل به أصلاً وإنما وضعه المتحدث على لسانها) أم ستتضرر قحت ؟ وكم نسبة المواطنين المتضررين من انقطاع الكهرباء الذين سيقتنعون بهذا التبرير؟

إبراهيم عثمان

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى