إضاءة على كتاب (الثقافة التنويرية وإنتاج المعرفة – للأستاذ عبدالمجيد جرادات) بقلم: محمد فتحي المقداد
هذا الكتاب هو الثّامن في سلسلة النتاج الفكريّ للأستاذ الباحث والمُفكّر “عبدالمجيد جرادات”، صدر حديثًا، وهو خلاصة تجربة راصد ومُتابع لمُجريات الواقع، وإحاطة معرفيّة قائمة على الملاحظة والتحليل والتركيب، لإنتاج مادّة ثقافيَّةٍ جاءت على شكل مقالات بنظرة مُعبّرة عن عقلانيّة واقعيّة تتلمّس دروب النهوض والارتقاء، من على شُرفة الحذر التي يقف عليها “عبدالمجيد جرادات”، لا ليتّخذ منها بُرجًا عاجيًّا له، وإنّما لتكون منارة عالية يستطيع منها إسماع صوته للجميع، مُحذّرًا وناصحًا أمينًا، بوضوح وبلا مُواربة ولا فلسفة الأمور بأكثر ممّا تحتمل تأويلًا وتحليلًا.
وبنظرة سريعة على عنوانات الكتاب، وبإعادة ترتيبها وفق منظور المقال على خلاف ترتيبها وفق ورودها في الكتاب، تتجلى الأهداف الرساليَّة ذات المضمون الفكريّ الوازن للمواضيع المطروحة:
– (الثقافة في عالم متغير. الفعل الثقافي بين منسوب الأزمات وحجم الطموحات. مقاربات حول الثقافة والمناهج التعليمية. الثقافة وإنتاج المعرفة اللغة ونظرية الدلالة) .
– (مئوية الدولة الأردنية بين تجارب الماضي وتطلعات المستقبل. حكمة القيادة وهمة أبناء الوطن. القيمة المعنوية للأمن الاجتماعي.. ماذا ننتظر من الإعلام في المئوية الثانية للدولة الأردنية؟. التفكير الاستراتيجي والتنمية المستدامة. دروس من محنة الكورونا. مستقبليات) .
– (دراستان عن المؤلف . الدراسة الأولى: الروائي السوري محمد فتحي. الدراسة الثانية: الدكتور الناقد سلطان الخضور).
بهذا الترتيب يكون الكتاب قد ركز على محاور ثلاثة: (الثقافة والوطن)، والمحور الثالث ما هو إلا ملحقًا ممن كتبوا عن تجربة الأستاذ “عبدالمجيد جرادات”. بالطبع الثقافة والوطن، هما ما استأثرا بالاهتمام الأكبر لأنهما احتلّا معظم صفحات الكتاب، ولا شكّ بأنّهما المقصد وغاية رسالة وهدف الكتاب.
حملت صفحة الغلاف الخلفية للكتاب كلمة مهمَّة، وهي توثيق ذكرى المرحوم المهندس، الذي كان أحد أساطين الثقافة في إربد، ودائم الحضور لمعظم الفعاليَّات والأمسيات، وعلى الأخصّ فعاليّات ملتقى إربد الثقافي، وبهذا عندما خصّص المؤلّف للمرحوم، فهو من باب الوفاء والبقاء على العهد: (المهندس هشام التل مفكر تنويري وموسوعي الثقافة( ١٩٥٠- ٢٠٢٢): “اعتاد المهندس هشام سليم التل أن يسكن في أعالي الجبال، وفي تفسيره لذلك. قال: بأنَّ للمكان عبقريَّته، وأنَّ الإقامة في قمَّة الجبل تمنح الإنسان القدرة على رؤية كل الاتجاهات وكثيراً ما تكون سبباً بعدم فتور الهمة” ).
وفكرة الثقافة التنويريَّة بحسب رؤية الأستاذ عبد المجيد، تلخَّص بهذه الفقرة: (فكرة المشروع التنويري عند العرب ارتكزت على جملة أبعاد منها : أهميَّة توفر الإرادة عند صناع القرار، وهذا يتطلَّب وضع تشريعات ونُظُم قانونيَّة، تتحقَّق من خلالها موازين العدالة الاجتماعيَّة مع مُراعاة منح الصلاحيَّات للمُتنفِّذين، وتوزيع المهام والواجبات بحيث تسود قيم الحريَّة المسؤولة وتستمرّ عجلة الإنتاج، وتبعاً لذلك لا بُد من تعزيز أُسُس المساءلة والرَّقابة الوقائيَّة، وحثِّ الجميع على التمتُّع بمُقوِّمات الثَّقافة الإنتاجيَّة)ص4.
بهذا الموجز تتبيَّن الفكرة التنويريَّة كثقافة لعُموم المجتمعات، بحيث هي مقدَّمة صالحة بعد تحقيق الأرضيَّة الصَّالحة لنموَّها، وتمهيد السُّبُل وتذليل الصَّعاب أمامها؛ كي تُتنج معرفة فيها خبيرة واعية لقيمة الكرامة الإنسانيَّة، لأنَّ الإنسان هو غاية كلّ إصلاح منشود فيه خير الوطن والمواطن.
ولا بدّ من الرَّبط بين الخطاب التنويريِّ، والفعل الثقافيِّ من خلال مرتكزات ثقافة الحوار بجميع مستوياتها الفرديَّة والجماعيَّة والمُبادرات التنمويَّة من خلال التعليم الجادِّ والهادف لبناء منظومة اجتماعيَّة واعية، قادرة على مُجاراة التسارع العالمي في كافَّة المجالات العلميَّة والفكريَّة والاقتصاديَّة والسياسيَّة والاجتماعيَّة. هذا في المحور الأوَّل من دلالات العناوين.
وبملاحظة المحور الثَّاني. جاء الكلام بخصوصيَّة: (مئويَّة الدَّولة الأردنيَّة بين تجارب الماضي وتطلُّعات المستقبل. حكمة القيادة، وهِمَّة أبناء الوطن. القيمة المعنويَّة للأمن الاجتماعيِّ.. ماذا ننتظر من الإعلام في المئوية الثانية للدولة الأردنيَّة؟. التفكير الاستراتيجي والتنمية المستدامة. دروس من محنة الكورونا. مستقبليات) . تتضَّح رؤية الكاتب الخبير بين الواقع والمأمول، برؤية إصلاحيَّة واعية؛ قائمة على الملاحظة من خلال استقراء التجارب في المحيط العربي والعالميِّ.
إربد . الأردن
ـــــا 29\ 12\ 2022