منصة عطاءات السودان tender.sd عطاءات السودان
الاخبار

أطفال تلكوك، طلاب المناصير..قصة مرض مُزمن

كتب:صديق رمضان

بعد نهاية جولتنا الصحفية وزميلي عبدالله إسحق بمدينة غبيش بغرب كردفان، قررنا رغم أن الوقت قد تأخر أن يمضي برنامج رحلتنا كما خططنا،وكانت محطتنا التالية محلية اللعيت جار النبي بشمال دارفور.

في الطريق بين المدينتين لفتت فتاة صغيرة ترتدي الزي المدرسي نظرنا وهي تحمل حقيبتها وتسير في طريق وعر لاتمر عليه السيارات كثيراً، فطلبنا من سائق العربة التوجه ناحيتها، كان الإرهاق يُغطي وجهها البرئ،اخبرتنا عن وجهتها التي تقصُدها وكانت قرية بمحلية اللعيت جار النبي.

بعد أن اوصلناها إلى قريتها علمنا أن رانيا تقطع يومياً أكثر من 12 كيلو متر ذهاباً واياباَ مشياً على قدميها للوصول إلى المدرسة التي توجد في إحدى مناطق غبيش ( يعني ساكنه في ولاية وبتقرأ في ولاية) ،وعلمنا أن رانيا التي كانت حينما التقيناها في العام ٢٠١٣ طالبة في الصف السادس أساس، هي الطالبة الوحيدة في القرية التي واصلت مشوار التعليم، بعد تساقط رفيقاتها وعددهن ١٤ تلميذة بسبب المشوار اليومي المُرهق للمدرسة.

وهذا يعني أن ١٣ فتاة تركنّ الدراسة، وأكدت لنا رانيا أنها لن تترك المدرسة لأنها تريد أن تصبح طبيبة تُعالج مرضى قريتها، ولا أعرف بعد مرور تسعة أعوام على تلك الحادثة، هل حققت حلمها أم تسربت هي الأخرى وادارت ظهرها لقاعات الدرس بسبب رهق المشوار اليومي.

و شرقاً وحينما كُنا قبل تسعة أعوام _ تقريباً _ في زيارة إلى محلية تلكوك بولاية كسلا ضمن وفد إعلامي تجول من الخياري حتى حلايب ووقف على مشاريع صندوق إعمار الشرق، وفي نهار غائظ لفت نظرنا مشهد أطفال يلوحوا بايديهم لوفدنا الذي كان على متن خمسة سيارات فتوجهنا ناحيتهم لأنهم كانوا بالقرب من مسجد وقررنا أداء الصلاة، وحينما اقتربنا فإن المفاجأة غير السارة الجمتنا حينما كانوا يحملون أواني وطلبوا أن نمدهم بمياه الشرب فقد تمكّن منهم العطش.

سرد لنا شيخ الخلوة يومها معاناتهم مع مياه الشرب وتوفير وجبات بسيطة للأطفال وعن أمراض التغذية التي تفتك بهم، ولم يجد زميلنا قرشي عوض غير جمع الأموال التي كان يحملها كل عضو في الوفد بما فيها النثرية وتسليمها لشيخ الخلوة لشراء مياه عبر التانكر للأطفال.

تداعت أمامي صورة رانيا واطفال تلكوك وطلاب المناصير الذين ابتلعهم النيل وصغار جبال النوبة ودارفور الذين شردتهم الحرب وغيرهم، وانا اقرأ اليوم عن رفض أولياء أمور بعدد من أحياء الخرطوم عدم تسجيل أطفالهم في الصف الأول أساس بالمدارس الحكومية بسبب الرسوم العالية التي تجاوزت إمكانياتهم المحدودة والمهدودة،ولا أعرف ماهو مصير هؤلاء الصغار في ظل ظروف أهلهم وتجاهل الحكومة الإنقلابية دعم التعليم او بالأحرى التدخل لإيقاف العبث الذي يحدث في المدارس.

يُعاني أطفالنا أشد المُعاناة ورغم ذلك نحلم بتطور دولتنا، نحرمهم من أبسط حقوقهم وتذهب الميزانية للامن والدفاع بدلاً عن التعليم،لذا لن ننهض ولن نتقدم خطوة في ظل الظلم الذي يتعرض له صغارنا الذين نريد منهم رغم ذلك أن يكونوا رجال الغد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى