منصة عطاءات السودان tender.sd عطاءات السودان
مقالات

محمد عكاشةيكتب : مفوضية اللاجئين..أنا لاجئ.. إذن أنا موجود

جالَ بخاطري ذّكري صَديقي حسن كفاح رحمه الله فهو عبقريةٌ فذة ونسيجُ وحده.
كفاح كتبَ كتابهُ البديعُ ” يوم القيامة الإفريقي ” جلدَ فيه الرؤساء الافارقة ونكَل بهم تنكيلاً.
حسن كفاح عاشَ حياتهُ كِفاحاً ضدَ القهر والعُنف ومظالم الحكام.
غدوتُ إلي مقر مفوضية اللاجئين السامية الحاميةُ الناميةُ وانطونيو غويتريش ذاته.
قبلَ عقدين ونصف حين خرجتُ من الخرطوم مُغاضباً إلي مصرَ حثني الاصدقاءُ بضرورة اللجوء إلي دولة تقيني الحرّ والبرد والرفيق الفَسل.
ذاك الوقت شهدَ هجرةَ السُودانيين إلي الموانئ البعيدة إتقاءَ عَسف نظام الترابي/البشير سواءً بالحق أو بالباطل حتي ولو لم تمس جسدك سياط وشُواظ نافع علي نافع في بيوت الأشباح.
كانت الفرصةُ مُواتية لمِثلي وأنا في شرخ الشباب غير أني استعصمتُ بالوطن وبالفصيحِ لُغةً وبَمن رَطنْ.
الحربُ العبثية تتسعرُ في أبريل ليحتلَ الجنجويدُ الاوباشُ الرجرجرةُ الدهماءُ منزلَ الأسرة وينهبون ويقتلون لألوذَ بمصرَ الشقيقةُ غيرَ أنها هذه المرة صدت عن السُودانيّين صُدوداً.
قررتُ أن أخوض غمار تجربة التسجيل كلاجئ هذه المرة فأنا علي تخومِ العقد السادس لا يخشي شئياً فلقد عشتُ حياةً عريضةُ الخَيبَات وعريضةُ الآمال وأنا إذ استقرُ بمصرُ بعد الحرب يَكفلُني أشقائي الأصغرُ مني = يارعاهم اللهُ = وكفَلها زكريا وكلما دخل عليها زكريا المِحرابَ وجدَ عندها رزقاً.
إذن..ما الذي أترجاهُ لخوضِ غِمار التسجيل ” لاجئ ” والأمم المتحدة لاخيلَ عندها تهُديها ولا مالُ ولن تستطيع توطين أمثالي في بلاد العم سام وأنا إذ أرغبُ في خريف العمر إلي أيامٍ هادئة وأن استفرغَ الوقت في القراءة النافعة عوضاً عن الكتابة المُثمرة وفي الصلوات والباقيات الزاكيات.
المهم..اتصلتُ علي الهاتف ومن أول رنةٍ رد صوتٌ أنثوي سَحرني ومن ذاك ابتدأ الاستدراجُ بحظي الموفور باستجابةالهاتف وخصوصاً مبني المفوضية يشهدُ زحاماً من الهُزيعُ الاول في الفجرِ للتسجيل.
ثم..
خالد واواب محمد عكاشة رفضوا الفكرة جُملةً وتفصيلاً فهم أحرارٌ أبناء أبٍ ديمقراطي كان يطمحُ إلي انتقالٍ مدني للحكم في وطنه حتي لا يتفككُ دويلات.
السُودانيّون يصطفون في الحي السابع باكتوبر ويزدحمون شاباتٍ جميلات وأطفال أيفاع وشيوخٌ هدَ قوتهم العلةُ والسنين وكذا ذوي احتياجات خاصة ولقد شهدتُ بالبرهان حكاية ” الاعمي شايل المكسر ” والسُودانيّون أيضاً يصطفُونَ بدون طبقات حتي حرتُ في فائدةِ التسجيل في المفوضية رغم شرحُ صديقنا قاسم مهداوي وتوضيحات الجودة قادم الخبيران في الشأن.
صفوفٌ طويلة مثلُ يوم القيامة الإفريقي أو يومُ القيامةالعصُر وموظفو المفوضية يجتهدون في التنظيم لأقفَ في الصف وقررت حينها أنه سيكونُ ” آخر صف وأول ” ولذا فإن مكتب وموظفو المفوضية بحاجه الي توسع أكثر.
المهم..زحفتُ مثلي مثل بني وطني الذين أضطرهم حُكامُ بلادهم إلي هذا الموقفُ العصيب وفي سؤال بعضهم حولَ رغبة التسجيل قالوا بأنهم بحاجة إلي حماية توقيّاً للاجراءات التي فرضتها السلطات المصرية رغمَ توجيهات فخامة الرئيس السيسي بخصوص أهله السُودانيّين وأن معظم هؤلاء جاءوا عن طريق التهريب الذي يتمُ بعلمِ السلطات المِصرية ذاتها.
ثم..فتيات أثيوبيات “جلسن شوف ياحلاتن” سليلاتُ أمهرا وملكةُ سبأ وقد أثرنَ أشجاني فلقد عشنَ في السُودان لسنواتٍ دَخلنهُ بالباب ليخرُجنَ منه بالباب الخلفي إلي مصر.
قالت إحداهُن فلقد تركتُ في الخرطوم ذكرياتي الجميلة لتذّرُفَ عينُ سيدةٍ من جهة البراري وهي تقول: الجنجويد ماشَردونا وسرقوا بيُوتنا ديل سرقوا حَكاياتنا وذّكرياتنا.
السيدة الجميلةُ والحبشيات الوارفات أثرنَ شجوني إثارةً والافارقة الأقدمونَ يقطعونَ المسافاتِ الطويلة إلي مواردِ المياه وهُم يقولونَ نحنُ لا نقطعُ تلكَ المسافات طلباً لجلبِ المياهِ العذّبةِ وإنّما لأنَ الذّكرياتُ تَنتظرُنا هُنالكَ.

ثم..
الامم المتحدة تعتذر هذا الصباح عن استكمال إجراءات التسجيل لأن “السيستم واقع” والله المُستعانِ علي ماتصفون.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى