منصة عطاءات السودان tender.sd عطاءات السودان
التقارير

طالبت به عدد من الأقاليم… الحكم الذاتي … كروت تفاوضية أم حقيقة مرة ؟! (١)

تقرير : محمد داؤد

بات من المعتاد عند النخب السياسية السودانية ،عند توقف عجلة المسار التفاوضي، أو عدم جريان مياه التفاوض كما تشتهي سفنها؛ أن تخرج وتروح بأقوى ما تمتلكه من كروت ضغط على السلطات ..
ومؤخرا ..أصبح من أقوى الكروت لدى النخب.. هو المطالبة بالحكم الزاتي ..وتردفه بتقرير المصير..

فهل حقا هناك رغبة شعبية جامعة لهذه المطالب ..أم أن النخب تتبنى هذه الكروت للضغط فقط على السلطات الحكومية لتحقيق مكاسب سياسية ..أو الحيلولة دون إتخاذ قرارات لاتلبي طموح هذه النخب في السلطة والثروة؟

*عدد كبير من أقاليم السودان يعايش مجتمعها هذه القضية.. فمشروعية المطالبة بالحكم الذاتي تقرها قوانين النظام الدولي بما فيها القانون الدولي والدولي الإنساني ومواثيق الأمم المتحدة ودستور السودان الإنتقالي ولكن كيف تتم هذه المطالبة أو كيف يستخدم هذا الحق القانوني ..؟

كل تلك الأسئلة نحاول أن نجيب عليها على ضوء المطالب المؤخرة لمجلس البجا في شرق السودان وهو يطالب للمرة الثالثة بالحكم الزاتي ويلوح بعصاة تقرير المصير ..ومن الملاحظ أن المجلس عادة ما يكون في تناغم مع الجهات الحكومية وفجأة يخرج رئيس المجلس ويجاهر بالرغبة في تقرير مصير شرق السودان ويعضد حديثه بالإشارة لمخرجات مؤتمر سنكات..لكون السلطات لم تحقق مطالب هذا الكيان في الثروة والسلطة..!

*وفي جبال النوبة ..يصرخ القائد عبدالعزيز الحلو في وجه الحكومة دوما بأن الحكم الذاتي هو شرط أساسي للإنخراط في أي منبر تفاوضي.. ويهدد الحكومة دوما بالمطالبة المتكررة بتقرير المصير ..

*الثابت أن ثقافة المطالبة بالحكم الذاتي أضحت أكثر رواجا بعد تجربة جنوب السودان.. إذ بدأ الأمر سياسيا بمطالب الحركة الشعبية في المنابر التفاوضية مع حكومة المؤتمر الوطني – وقتها – إلا أن تبلور في إتفاقية نيفاشا وصار واقعا على كل شعب الجنوب وحدث حوله إجماع محلي في جنوب السودان..
ألآن بذات السيناريو بدأت الحركات والكيانات الجهوية والقبلية في تبرير مطلب الحكم الذاتي بالظلم التاريخي والتهميش الذي عانت منه تلك الأقاليم..
وفي إتفاق جوبا الأخير أقرت الحكومة السودانية حق الحكم الذاتي لإقليمي النيل الأزرق وجنوب كردفان ..مع نص ركيك يشترط أن لايقود إلى الإنفصال.

فهل حقا بدأ تنفيذ مخططات أجنبية لتقسيم السودان لدويلات… أم أن النخب السودانية فشلت في إدارة التنوع ولا مناص من تقرير المصير للأقاليم التي شهدت حروبات وتهميش؟

وهل حقا مطالب الحكم الذاتي هي إرادة شعوب تلك الأقاليم أم هي أطروحات سياسية تسعى للسلطة بأي ثمن ؟

وفي ظل هذه الظروف السيئة من حروبات وعصابات مسلحة وغلاء معيشي.. يمكن أن تجد هذه الأفكار مناخا للنمو ؛سيما وأن هذه المطالب من جعبة كيانات قبلية بلافتات سياسية .. وفي ظل التدخلات الخارجية في المشهد السياسي السوداني كما أقر بذلك قائد قوات الدعم السريع، تكمن الخطورة ويطرح السؤال ..هل آن أوان تمزيق السودان..؟

*ثابت المسلمات والتجارب أن الحكم الذاتي هو المدخل الوحيد لتقرير مصير أي منطقة من مستعمر أو حكومة محلية متسلطة ..وفي نفس الوقت هو حق إنساني محمي بالقانون ..وأحيانا يكون هو السبيل الوحيد لإنهاء الحروب أو الصراعات القبلية والسياسية..ويظل التحدي في كيفية التعامل مع مثل هذه المطالب مع الوضع في الإعتبار الإرادة الشعبية، لكون هناك أنماط سياسية تسعى للوصول للسلطة بكل الوسائل ..وهناك جهات تسعى لتصفية حسابات سياسية تاريخية وغبن إجتماعي وسياسي..حتى لا يفتح باب لأي مجموعة معينة أن تطالب بمثل هذا الحق ..(فكل من هب ودب ) يطالب بالحكم الذاتي لكونه يحلم بالحكم.

على النخب السياسية أن تتعامل بإحترافية مع المشهد السياسي ولا تنتهك إرادة شعوب تلك المناطق فالرهان الأول والأخير في يد الشارع.

إقحام القبائل عبر الإدارة الأهلية للمشهد السياسي أكبر كارثة شهدها التاريخ السياسي السوداني.. لأنها تنقل الصراع السياسي إلى قبلي والقبلي إلى سياسي.

على السلطات الحاكمة والنخب السياسية الحية.. أن تتعامل بحكمة مع مثل هذه المطالب وتعجل لعقد مؤتمرات شعبية تدير من خلالها حوار محلي لأبناء تلك الأقاليم لحسم فوضى المطالبة بالحكم الذاتي ومعرفة مصيرها فالشعوب وحدها من تقرر المصير لا النخب..
حق تقرير المصير ليس جريمة سياسية بل حق قانوني ولا يجب أن يتم التعامل معه بالشكل القانوني المطلوب ..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى